يا شعب مصر الأبية ، السلام عليكم ورحمة من لدنه وبركات وبعد :
فإنه لمن عظيم الشرف ورفعة القدر ، أن امتطي صهوة جواد المجد ، كي أحدثكم وأنتم ممن لا يطول باع كل أحد لبلوغ رتبته أو تسنم ذروته ، فأنتم الثقة إذا لم يوثق بناصح ، كيف لا ؟ وأنتم الذين أثبتم للعالم أجمع بأن الحقوق والحرية لا توهب ، وأن النضال وحده هو طريق الحرية والخلاص والتقدم .
فما أعظم ما اجتمعتم عليه ، وما أعظم أن يعصوصب الشعب على كلمة الحق وما أعظم أن تجتمع الأمة لتستل الحق من خاصرة الباطل .
أجل أيها الشرفاء ؛ إنّ ارض كنانة أرض المحبة والوفاء والألفة ، وإنّ شعب مصر أهل الشهامة والشمم ، مصر العراقة ، العريقة بتاريخها ، وفي إباء أبنائها الغر الميامين ، فيا من صرختم بوجه المغرضين الحاقدين ، لقد أثبتم أن جولة الباطل قصيرة ولن تدوم ، فمصر الإباء ليست مجرد وصف أو صفة ، وإنما هي الهُوية العربية ،هُوية العروبة التي يقف الأحرار في حضرتها بكل إجلال و احترام وشموخ وتقدير .
يا أحرار مصر الأبية : لقد كبر مقتا عند الله ما يأفك الأفاكون ، ويمكر الذين في قلوبهم مرض ، والعاقبة للأحرار ، فكم من جولة للباطل ارتقت صُعدا ، وطفقت محلقة ، ثم دنت فتدلت ، كأن لم تغن بالأمس ولم تهجس في النفس ، وذلك ما نطقت به الدلائل وأومأت إليه المقدمات ، وإن غدا لناظره لقريب .
يا أحرار مصر الأبية ، وأيْمُ الحق ، إنكم أمة لا تتمنى الشر أو تسعى إليه ولكنكم أمة لا تحتمل الاعوجاج ولا تصبر عليه ، فلا تعبأوا بالمتخرصين وإن جاشت صدورهم بالأحقاد ، وامتلأت أحشاؤهم بالسخائم ، ونغلت قلوبهم بالعداوة ،فقد وسعتهم مخازيهم بطابع العار والهوان والذل والخسران .
ولعمري إنّ كلّ مرجف تدفق في باطله ومضى على غيّه فأنفق ما بين يديه وأفاض مما فُطر عليه ، سيبلو من عاقبة أمره ما يَعَضُ له بالنواجذ على الأنامل .
فهيهات هيهات : ينكُصُ المصريون الأحرار عن سبيل شدّوا له الحيازيم ، وانجردوا فيه ، حتى يدركوا الغاية ، ويبلغوا الأمنية ، فليمت الحاسدون الحاقدون المشاغبون بحقدهم وغيهم ، وليعفّر الظانّون بأنّ الوطن يباع ، فليعفروا وجوههم في أتربة المزابل والدمن ، نعم ، لقد سجلّتم في سفر المجد والخلود كيف يكون الولاء والانتماء للوطن والأمة ، وكيف تكون المحبة وكيف يكون المجد والسؤدد ،؛ فسقيا لأرضٍ انبجستم منها ، ورُعياً لأمة صدرتم عنها ، شاهت وجوه المشاغبين المشككين الحاقدين الحاسدين الخانعين الذين استمرأوا الذل والهوان ، والذين يسعون في الأرض فسادا وفي العباد استرقاقا وعنت وجوه المساومين على ضمائر الأحرار ، وتمرغت أوصالهم في الوحل والتراب ، وألبسهم الجبار ثياب الذلّ والعار .
أيها الأحرار : ماذا لعمري أبسط وأنشر ، فلقد فضح الصبح فحمة الدجى ، وبان الحقّ ، في وضح الضحى ، وأيّ دليل أسطع وبرهان أنصع مما اجتمعت عليه الأحرار ، فليشهد القاصي والداني ، والقريب والبعيد ، والوليّ والخصم ، أنّ الأحرار في مصر الأبية قد عقدوا العزم على استئصال شأفة الفساد ، ومن سعى في العباد استرقاقا ، وشدّوا الحيازيم لاسترجاع مجد الأمة الغابر وجمع كلمتها المتفرقة ، وتوطيد دعائمها المتزلزلة ، كيف لا : وها أنتم الذين صاحت بكم النخوة العربية والهبَّة المضرية ، فثرتم عُراة الأبدان حفاة الأرجل شعثا غبرا لا تبالون الهجير ولا الزمهرير ، لأن نفوسكم مفعمة بالإيمان ، وقلوبكم مملوءة بحب الرحمن ووجدانكم طافحُ باليقين ،
لقد قضي الأمر وأبرم الميثاق وانعقدت البيعة في ميدان التحرير للتحرير ، أجل إنّ إرادة الأمة مهما طال غيهبها ومهما اسود ليلها أو امتدّ زمانها ومهما قسا قيدها فلا بدّ لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر ولا بد للصبح أن يتجلّى ، وها هو ميدان التحرير بهيبته ووقاره يكتب أولى صفحات المجد بمداد الحق .
الدكتور محمود سليم هياجنه