د.عماد لطفي ملحس
في اليوم ذاته الذي شيّع فيه الفريق سعد الدين الشاذلي بطل حرب تشرين المجيدة إلى مثواه الأخير في القاهرة ، انتصرت ثورة الشعب في مصر العروبه ، وأطاحت بالطاغية حسني مبارك وبنظامه ، وتحقق شعارها العظيم الذي رفعته منذ 25 يناير \" الشعب يريد اسقاط النظام\" .
كابر الرئيس المخلوع وأركان نظامه وناوروا واستخدموا كل ما بحوزتهم من أوراق ومؤامرات مكشوفة وبائسه ، لكن المحافظة على الثوابت التي طرحها شباب الثورة ، والتضحيات الجمّة التي قدّموها ، والوعي العالي الذي تمتعوا به إزاء محاولات فرط عقدهم وتثبيط هممهم والذي أسهمت فيه حتى بعض أحزاب المعارضة التي انخرطت في الحوار مع النظام البائد ، وبعض الشخصيات المحسوبة على الصف الوطني والقومي ، قد عجّل في يوم النصر المؤزر ، وجعل الحلم واقعاً ، والمستحيل حقيقة. قبل يوم واحد فقط من الانتصار ، شاهدنا سياسيين وإعلاميين على شاشات التلفزة وهم يدعون المتظاهرين الى الاكتفاء بما حققوه من انجازات ، والى العودة إلى بيوتهم وأعمالهم ، بدعوى حقن الدماء ومنع الكارثة التي ستصيب مصر إن هم واصلوا طريقهم ، وتمددوا إلى قصر الرئاسة وإلى مبنى التلفزيون ! لكن إرادة الشعب لم تلن ، وبوصلته الصادقة لم تنحرف ، وأثبت أنه جدير بالنصر وجدير بالتغيير ، وبالديموقراطية الحقة .
ولسوف يسجل التاريخ لهذه الثورة أنها ناصعة البياض ، فهي ثورة سلمية بكل ما في الكلمة من معنى ، وما الدماء التي سالت والحرائق التي اندلعت وعمليات البلطجة والنهب التي تمت إلا من فعل النظام البائد كما ثبت وسيثبت في التحقيقات التي أجريت حتى الآن والتي ستجرى في القريب العاجل . وهي ثورة مستقلة الإرادة بعيدة عن أية أجندات أو تدخلات أو املاءات ، فقد بدأت بتظاهرات شعبية احتجاجية عفوية محدودة ، تصاعدت لتشكل هبّـة وانتفاضة ذات أهداف مطلبية في البداية ، لتتحول بعد ذلك إلى ثورة حقيقية ذات أبعاد وشعارات سياسية تجاوزت المطالب الاجتماعية والمعيشية لتركـّز على إسقاط النظام برمّته لا على إسقاط رئيسه فقط ، وهو ما تحقق لها بكل جدارة ، مدعومة بالموقف المشرّف للجيش المصري الباسل الذي خرج من رحم هذه الجماهير وكان المعبّر دائماً عن عزتها وكرامتها .
لقد انقضت حقبة طويلة سوداء من تاريخ مصر والأمة العربية بسقوط نظام الطاغيه ، وبدأت بشائر حقبة جديدة مليئة بالتحديات ، وبالأمل في عودة مصر إلى حاضنتها العربية وإلى دورها الريادي في مواجهة أعداء الأمة وعلى رأسهم العدو الأمريكي – الصهيوني . وباتت مصر الآن في عهدة قواتها المسلحة المطالبة بإدارة شؤون التغيير ، وبإعادة عجلة الحياة والتنمية في جميع المجالات ، وبتلبية المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي انطلقت الثورة من أجلها. إن على النظام الجديد في مصر أن يلتحم بأمته العربية ، وأن يعيد سيرة زعمائه الوطنيين الأحرار الذين وقفوا في وجه الظلم والطغيان ، والذين عملوا بإرادة مستقلة ورفضوا أي شكل من أشكال التدخل والتبعية ، وهو ما يعني بالأساس إعادة النظر باتفاقية – كمب ديفيد – المشؤومه ، وإعداد الجيش للمعارك الحتمية القادمة ، ودعم كل اشكال المقاومة العربية في جميع أرجاء الوطن العربي.
imd_tap@yahoo.com