الشيخ محمد جبريل.. خطيب ميدان التحرير في تلك الجمعة المليونية.. أهو هو؟! نعم إنه هو هو، بصوته الشجي القوي، وخطبته المؤثرة التي أنصت لها ما يزيد عن مليوني ثائر، وقنوته الخاشع المبكي، ودعائه الضارع المؤثر، حيث سقط من سقط مغشيا عليه من شدة التأثر وهول الموقف، ولعل ساعة الإجابة في جمعة النصر وافقت تلك الساعة، فكانت بشائر النصر بعد ساعة أو ساعات، وإنما النصر صبر ساعة، "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين".
إنه هو هو .. وعادت بي الذاكرة خمسة وعشرين عاما أو تزيد، يوم أن قدم إلى المسجد الصغير في جبل الأشرفية في عمّان شاب مصري يلبس جبة الأزهريين وعمامتهم ليعين إماما في مسجدنا ذاك الذي أصبح اليوم يسمى مسجد "السلام"، وكان يسمى بالمسجد الصغير مقارنة له بالمسجد الكبير الشهير "مسجد أبي درويش"، وكان هذا الشاب جميل الصوت عذب القراءة، دمث الخلق محبوب المعشر، يستأذننا كل جمعة فيذهب إلى مسجد "المدارس" في مخيم الوحدات المجاور لجبل الأشرفية، ويتلو ما تيسر من القرآن قبل خطبة الجمعة فيعجب به المصلون أيما إعجاب، ويصل خبر عذوبة صوته وجمال قراءته وإتقان تجويده إلى العديد من المهتمين بهذا الشأن، فينتقل من مسجدنا ليصبح إماما لمسجد من أكبر مساجد المملكة ألا وهو مسجد "الجامعة الأردنية".
وهناك في مسجد الجامعة الأردنية يشرف على حلقات التجويد، ويشارك المفسر الكبير الدكتور أحمد نوفل في برنامجه التلفزيوني الذي أنتجه التلفزيون الأردني "أحباب الله"، وكان موجها للأطفال، فكان الشيخ محمد جبريل يقرأ الآيات بصوته العذب، ثم يقوم الدكتور أحمد نوفل بتفسيرها للأطفال بأسلوب مبسط سهل يسير.
وفي تلك المرحلة بدأ الشيخ محمد جبريل بتسجيل قراءاته، وبدأت أشرطته تنتشر في الأردن وفي بلده مصر وفي سائر أرجاء المعمورة حتى غدا من مشاهير القراء.
وعاد الشيخ إلى مصر أم الدنيا وأم القراء ليتبوأ مكانته اللائقة به بين الأئمة والمقرئين، وكان يزورنا في الأردن في بعض شهور رمضان خصوصا في مسجد "الفيحاء" المعروف في أرقى أحياء عمان في "الشميساني" وأحيانا يأتي شقيقه الأصغر نائبا عنه.
واليوم يشاء الله تعالى أن يرفع من قدر هذا الشيخ، مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين" فيكون خطيب جمعة التحرير في ميدان التحرير في بلد التحرير.
المهندس هشام عبد الفتاح الخريسات