زاد الاردن الاخباري -
خمس وعشرون سنة مرّت على توقيع الأردن وإسرائيل معاهدة سلام بينهما، لكنها معاهدة لم تكتسب شرعية شعبية في الأردن حتى اليوم، في وقت تواجه العلاقة بين عمّان وتل أبيب تحديات متواصلة.
وأنهت معاهدة وادي عربة الموقعة في 26 تشرين الأول (أكتوبر) 1994 رسميا عقودا من حالة الحرب بين البلدين. لكن في نظر الشريحة الأكبر من الأردنيين فما تزال إسرائيل “عدوا”.
ويقول يزيد خليفات (38 عاما)، وهو موظف في القطاع العام، لوكالة فرانس برس “إسرائيل تبقى عدونا الأول”، مضيفا أن إسرائيل “شردت الملايين من أشقائنا الفلسطينيين، وقتلت الآلاف من العرب”.
ويتابع “رغم اتفاق السلام، إسرائيل تتعامل باستخفاف وعدم احترام. مثلا الوصاية الهاشمية على المقدسات تنتهك يوميا تقريبا، ومحاولات تهويد القدس على قدم وساق”.
وتعترف إسرائيل بموجب معاهدة السلام مع الأردن بوضع خاص للمملكة في الإشراف على المقدسات الإسلامية في القدس.
وكانت القدس الشرقية تخضع للسيادة الأردنية كسائر مدن الضفة الغربية قبل أن تحتلها إسرائيل العام 1967 وتضمها في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
ووصف جلالة الملك عبدالله الثاني أكثر من مرة منذ العام 2009 السلام مع إسرائيل بأنه “سلام بارد ويزداد برودة”.
ويرى يوسف رشاد (41 عاما)، وهو موظف في شركة تسويق، أن “إسرائيل لم ترغب بالسلام أصلا، واستخدمت الاتفاق مع الأردن والمفاوضات مع الفلسطينيين كغطاء لكسب الوقت لتدمّر بشكل ممنهج حلّ الدولتين، وتهوّد القدس وتغيّر الواقع”.
ويشير الكاتب والمحلل السياسي لبيب قمحاوي الى أن “الأردني لا يقبل إسرائيل لا كصديق ولا كحليف بل يعتبرها عدوا غاصبا اغتصب فلسطين والأماكن المقدسة”.
على الصعيد الرسمي، شهدت السنوات الـ25 الماضية مشاريع لدعم السلام بين البلدين بقي أغلبها معلقا، ومن بينها بناء مطار مشترك، وخطط لمدّ قناة تربط بين البحر الأحمر والبحر الميت لإنقاذ الأخير من الجفاف، ومشروع بوابة الأردن الذي يفترض أن يخدم كمنطقة صناعية مشتركة مقررة منذ العام 1994.
ويقول مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي “معظم تلك المشاريع بقي حبرا على ورق”.
في المقابل، قال السفير الإسرائيلي في عمان عمير فيسبرود لوكالة فرانس برس إن بلاده وإسرائيل تنسقان جيدا على صعيد المياه والأمن، وأن زيارات الإسرائيليين الى الأماكن السياحية في جنوب الأردن في ازدياد.
وأضاف “نسعى الى إيجاد طرق لتحسين العلاقات. يمكن للبلدين أن يبذلا المزيد”، مضيفا “الأردن شريك يمكن الوثوق به، والبلدان يتمتعان بالمصداقية”.
وفي ظل هذا السلام البارد، ومع وجود الحكومة الأكثر يمينية في إسرائيل والرئيس الأميركي دونالد ترامب الداعم لها، تواجه علاقات عمان بتل أبيب تحديات كثيرة أبرزها خطة واشنطن للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين أو ما يعرف بـ”صفقة القرن” التي يفترض الأردنيون، استنادا الى مواقف واشنطن، أنها تتجاهل حل الدولتين وتلغي حق اللاجئين بالعودة.
ويقول الرنتاوي “إسرائيل التي وقعنا معها اتفاق سلام قبل 25 عاما ليست هي ذاتها اليوم، هذه إسرائيل أخرى محكومة بتيار ديني قومي متطرف”.
ويضيف “إسرائيل لم تعد تقيم وزنا لاعتبارات السلام العادل والدائم والاستقرار ولأمن الأردن ومصالحه وحساسياته وقيادته”.
ويولي الهاشميون أهمية خاصة لرعاية المقدسات في القدس.
وخلال السنوات الأخيرة، ساهمت حوادث عدة بتوتير علاقات تل أبيب بعمان بدءا من محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل في عمان العام 1997، ثم اقتحام رئيس وزراء إسرائيل أرييل شارون للمسجد الأقصى العام 2000 واندلاع الانتفاضة الثانية.
وأدت محاولة اغتيال مشعل في عمان في عهد حكومة نتانياهو الأولى إلى أسوأ أزمة بين البلدين، ووضع الملك الراحل الحسين، حينها حياة مشعل في كفة ومعاهدة السلام في الكفة المقابلة، ما أنقذ حياة مشعل، إذ سلّم الإسرائيليون الأردن “المصل المضاد” للسمّ الذي كانوا سمموه به.
وفي آخر التحديات، قرّر جلالة الملك عبدالله الثاني العام الماضي انهاء اتفاقية تأجير أراضي الباقورة الواقعة شرق نقطة التقاء نهري الأردن واليرموك في محافظة إربد (شمال)، والغمر في منطقة وادي عربة في محافظة العقبة (جنوب) للجانب الإسرائيلي.
وكان الأردن وافق خلال مفاوضات السلام على إبقاء هذه الأراضي الحدودية بتصرف الدولة العبرية، مع اعتراف إسرائيل بسيادة الأردن عليها. ويقول الرنتاوي “لأول مرة تصدر إشارة من الملك عبد الله الثاني مباشرة بأن السلام سيتضرر بما يجري على المسار الفلسطيني”. ويرجح الرنتاوي وقمحاوي أن يكون موضوع الغمر والباقورة سببا للمزيد من التوتر بين البلدين.-(أ ف ب)