رحم الله "سعد زغلول" الزعيم
المصري ، الذي حين يئس من الدنيا ، ذات مساء ، عاد الى بيته ودخل الى
فراشه ، ونادى على زوجته "صفية" ، وقال لها "ما فيش فايدة غطيني يا صفية
وصوّتي" ، اي اصرخي بصوت عال ، باعتباره جثة هامدة.
ذهب سعد زغلول
، وبقيت عبارته الشهيرة ، ترن في الاذان ، ككل عظماء المصريين الذين
يرحلون لكنهم يبقون ، وحين تتأمل واقع العالم العربي تقرأ ما يلي ، الاف
المليارات مُخزنة في المصارف العالمية ، فيما الشعوب جائعة ، تتم سرقتها
جهارا نهارا ، وهي لا تكتفي بسرقتها بل تعبد من يسرقها. مئات الملايين
مُضطهدون في العالم العربي ، والكلمة كفيلة بارسال الانسان العربي الى
جهنم الحمراء ، في عز الدنيا ، والقمع والتنكيل بالناس وحرياتهم بات سُنة
حميدة. التخلف والجهل يسيطران في كل مكان ، والكفاءات فرت الى بلاد بعيدة
، اما التعليم في العالم العربي ، فهو مُمنهج بطريقة تزيدنا جهلا وبصما
فيتحول البكالوريوس الى مجرد "محو امية" بمقاييس شهادات العالم ، لكننا
نتفاخر بالعدد ، ونعرف في قرارة انفسنا ، انها اعداد لا تضر ولا تنفع ،
ثلاثة ارباعهم يدرسون علوما انسانية عن المتنبي والشعر والامويين ، وصراع
المذاهب ، ومن قتل من اولا ، وهل لامست شفتا قيس شفتي ليلى ام بقي الحب
عُذريا.
العالم العربي خرج من الاحتلالات القديمة ، الى نظرية
جديدة ، بحيث تُدار الدول عبر ادارات محلية تعمل وكيلا للاحتلالات في اغلب
الدول العربية ، الا من رحم ربي. لماذا يبقى البريطانيون والفرنسيون
والايطاليون ، ويُقّتلون ابناءهم في مواجهه ثورات وطنية. كان الحل السحري
الناجح اعلان الاستقلالات ، والانسحاب ، وتسليم الادارات الى سحن محلية
تُنفذ ذات الوصفة ، اي سلب الشعوب حرياتها وثرواتها وأملها في المستقبل ،
وتحويل الدول الى غرف خلفية تجمع الضرائب والمكوس وتدسها في جيب النظام
العالمي الجديد ، بالوكالة ، بحيث يأخذ كل طرف نصيبه ، وبحيث يحل الفقر
على بيوت العرب ، وفي حالات يحل الرفاه مع الجهل وقلة العقل والسُمنة
المفرطة ، والحديث عن مذاق "البسمتي" اهم من الحديث عن مذاقات الدم في
البصرة وبغداد ولبنان وغزة ونابلس ، والوجدان الوطني تليف وتشمع ، بحيث لا
يشتغل الا بعد وقوع زلزال في الحد الادنى.
ليست غريبة غضبة الاتراك
لاجل غزة. لكن ما هو غريب حقا هو ان نُصبح بحاجة لمناصرة من الخارج. شعوب
منكوبة بحاجة الى وكالات اغاثة دولية لنُصرتها سياسيا. لاننا منذ داحس
والغبراء وحتى يومنا هذا لم نختلف. الاسلام النقطة المضيئة الوحيدة في
حياتنا ، انقلبنا عليها بوسائل شتى ، وعدنا الى ما كُنا عليه. عرب الجهل
والجاهلية ، وسحب الخنجر فقط لقتل الاخ والشقيق ، بعد مسح الصدأ عن نصله
بشارب القاتل الذي لم ير الماء منذ سنين ، وخلف الطعنة خلاف على قافلة
بعير ، ولكل واحد منا وثنُه الخاص الذي يعبده دون ان يدري.
تُقرر
السلطات الامريكية تفتيش كل مسافر عربي من ثلاث عشرة دولة عربية الى
امريكا ومنها ، بحيث يشمل التفتيش مؤخرة العربي. لم نسمع بيانا يُندد ،
ولا بيانا يرفض. لماذا؟لان مؤخرة العربي ليست قصة ، فاذا كان العالم الحر
فتش وعبث في صدور امهاتنا ، ولم يترك مُحرما الا وفعله معنا. فهل ستثور
كرامتنا عند قصة المؤخرة. العرب عمليون. كبرها بتكبر. صغرها بتصغر. وحكيم
من بين الجموع المتوترة امام هدر الشرف الجديد يقول ان لا جديد في الامر ،
فكم بقي من الشرف العربي وسط كل هذه المهالك ، وبعد كل هذا التاريخ الذي
يتم طحن جماجم الاطفال فيه ، وتقديمه رغوة فوق قهوة الالفية الثالثة ،
وبحيث ندفع دولارا مع كل فنجان نزدريه دعما لرصاصات جيش الدفاع الاسرائيلي
، دون ان يرف لنا جفن.
لم يكن سعد زغلول يهرف بما لا يعرف. سعد
زغلول ابن الزمن المصري الجميل والعظيم الذي صاغ كل نبوءات الشرق الذبيح ،
ومن عند السيدة زينب وسيدنا الحسين تأتي اكثف الاشارات واكثرها حكمة
وتلخيصا ، حين يقول لك المصري ما لا يقوله لك الاخرون.
كيف ستموتون وفي عيونكم الهزائم مدفونة.. سؤال برسم الاجابة،