قبل أن أشرع في حديثي لعل البعض سيتهمني بالخيانة تارة وبالعمالة تارة أخرى , قبل أن توجه لي مثل هذه الكلمات الجارحة التي تؤلمني و تؤرق مضجعي أود أن أقول بأنني عربي حر روحي عربية دمي عربي , الثورة في لحمي والحرية في دمي والتمرد شخصيتي ولفظ (لا) كلمتي والشارع لغتي.
لكن من حقي الإستفسار والإستغراب من أيقظنا نحن العرب فجأة من سباتنا ؟ من بعثنا من مرقدنا؟ بعدما تعودنا الشخير بعد أن أصبحنا لانرى جيوشنا العربية الا في الإستعراضات العسكرية فقط في أيام احتفال استقلالات دولنا العربية بعدما صار شغلنا الشاغل الفن وأهله والرسائل النصية والملاعب والمسلسلات التركية.
حقآ كيف استيقظنا جميعآ فجأة , أهو نتيجة كبت مضمور؟ أم طاقة غضب كامنة؟ أم تمرد على الفقر ؟ أم أن معداتنا لم تعد تستحمل المزيد من الجوع؟ نعم هذا كله موجود في نفوس شعوب العالم جميعها , اذآ اتفقنا أن هناك جوع شعبي وفساد نخبوي لكن هذا الشىء موجود منذ مئات السنين وهو كالترمومتر تارة عالي وتارة منخفض , مع ايمان البعض بنظرية اشغل العامة بالخبز كيف لا يلتفتوا الى السياسة لكن ما حصل عكس ذلك فقد جاع الشعب والتفتوا الى السياسة لكن من الذي لفت نظرنا نحن الشعوب لهذه الثورات التي أتت بالجملة دفعة واحدة.
فقد حرق الأقصى ولم نثور وقتل الدرة ولم نثور وأعدم صدام حسين رحمه الله ولم نثور وأحتلت العراق ولم نثور وقسمت السودان ولم نثور ودكت أفغانستان ولم نثور ومنع النظام التونسي السابق الحجاب بينما لم تمنعه اسرائيل ولم نثور ومات في سجون مخافرنا العربية ما لم يمت في سجن غوانتانامو ولم نثور ومواجهات مسلحة بين فتح وحماس فاقت ضراوتها المواجهات الفلسطينية الإسرائيلية سابقآ ولم نثور, كثر الجوع ولم نثور وسجن قائل الحق ولم نثور وبعثرت الكرامة ولم نثور , أيعقل لكل هذا لم نثور بينما ثار العالم العربي عندما حرق بو عزيز رحمه الله نفسه آلاف العرب أحرقوا أنفسهم أو أحرقوا من قبل غيرهم والنتيجة لم يثور أحد...اذآ ما ذا يحدث هنا؟
كلنا صفقنا للتونسيـيـن الأبطال لدى ثورتهم على بن علي وسعدنا بثورة 25 يناير في مصر العروبة عندما قام بها شباب متمرد بطل رفض الفساد والظلم لكن ما لفت نظرنا هو الوصاية الأمريكية لهذه الثورات فكانوا يتصرفون مع محركي الثوار في تونس ومصر وكأنهم عراب لهذه الثورات وكأن أمريكا تملك حق الوصايا على الشعوب العربية فتارة تطالب الرئيس حسني مبارك بسرعة التنحي (الآن) وتارة تطالبه بالإصلاحات والتنحي لاحقآ... ويحكم أيها الأمريكان ألم يكن الرئيس محمد حسني مبارك صديق الأمس؟ ويحكم أيها الفرنسيون ألم يكن زين العابدين بن علي الحاكم بأمر فرنسا ؟ فلنتذكر صدام حسين كان صديق أكثر منهما للأمريكان ومع ذلك قلبوا عليه وأعدموه لماذا؟
لوعدنا بالتاريخ الى عام 92 م لوجدنا أن الأمريكان أعطوا الضوء الأخضر لصدام حسين باحتلال الكويت ومن ثم قلبوا عليه وتعقبوه وأكذوبة أسلحة الدمار الشامل التي أقرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية برئاسة البرادعي في ذلك الوقت حتى قضوا عليه وجعلوا العراق العظيم عبارة عن دويلات صغيرة وقسمت العراق ولم يعد الجيش العراقي كما كان وفرقوا بين الأخوة العراقيـيـن بين سني وشيعي وآشوري وكردي, اتضحت الرؤيا بعد كل هذه السنين هو ابقاء (بعبع) واحد في الخليج العربي النفطي وهو ايران وبالتالي يتحكمون في سعر النفط ويبيعون الأسلحة ويشغلون مصانعهم وينقذوا شعوبهم من البطالة ويشتتوا المسلمين وهذه البداية فقط فاتضحت الرؤيا من أجل ذلك أعدم الأمريكان صدام حسين.
سردت هذه القصة الصغيرة كي تكون حالة دراسية و نستطلع ما حدث في تونس ومصر وما يحدث الآن في اليمن والجزائر والبحرين والسودان , فما نحن الا أحجار صغيرة بل وصغيرة جدآ في لعبة أمريكية كبيرة , فلو كانت أمريكا تريد مبارك لبقي في السلطة ولو كانت تريد بن علي لبقي في السلطة لكن الخطة الأمريكية طويلة الأمد وسنرى مع الأيام كيف استغلت أمريكا حالة الإحتقان الشعبي العربي وكيف استخدموا رؤسآ كبيرة لهذا الحراك الشعبي العربي العارم فمثلما أتى أحمد الجلبي وموفق الربعي للعراق فوق الدبابة الأمريكة والآن أصبحوا خارج اللعبة كتب الأمريكان على ملفاتهم (Out of Order) فقد أتى البرادعي بأجندة أمريكية فقد كان طيلة أيام الثورة على اتصال مباشر بالأمريكان من أجل هذا قلت أجندة أمريكية.
وفجأة يظهر لنا القرضاوي ويطالب الشعوب العربية بالثورة بينما يأرجح قدماه في مسبح فيلته بالدوحة ويطالب العائلة العربية بتقديم أبنائها للثورة بينما ابناؤه في أفخم المدارس والجامعات الدولية.
فقد استغلت ثورات الشباب وقلوبهم النقية وعقولهم الغنية وضمائرهم الشفافة على أشد استغلال في عالمنا العربي بالوقت الذي كثر أيضآ في بعض بلادنا العربية الظلم والمحسوبية والفساد .
حقآ لاصديق في السياسة وأمريكا والغرب مصلحتهم وخطتهم فوق كل صداقة وفوق كل اعتبار , فعلى بعض الحكام العرب أن يعوا أن أمريكا كاذبة فلا تصدقونها يا حكامنا ولاتصدقونا نحن الشعوب العربية عندما نهتف بالروح بالدم نفديكم فعندما يحمى الوطيس لا بالروح ولا بالدم نفديكم , ان أجمل وطنية هي الوطنية الغربية القائمة على العدل والمساواة والحرية ولا أحد يقدم روحه فداء لأحد بل تقدم الأرواح للأوطان فقط لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من مات دون أرضه فهو شهيد).
وخاتمة القول أنا لست مع الثورة في بلداننا العربية بل مع الحفاظ على الأمن والخبز والسيادة والمطالبة بالإصلاحات ونفكر كيف نبني الأوطان ونحافظ على بلادنا من الفلتان الأمني ونتجنب الديموقراطية العشوائية كي نفسد المخطط الأمريكي الطويل الأمد...حقآ اننا نعيش في فتنة والفتنة أشد من القتل...فليحفظك الرب يا أمتي.
فادي ابراهيم الذهبي
اعلامي أردني