- محمد خضر الشبول
أصبح اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية، مصيرٌ سبق اليه الشهر الماضي الرئيس التونسي الذي لم يجد من الهرب بُدَّا هو الآخر ببدنه ، ترك أمثولة بأن الشعوب أبقى وأقوى من الطغاة متى صحَّ منها العزم ، وان مثلَ مبارك في شعبه كمثل زين العابدين اذ قال له شعبه : أصلح ، فأبى أن يكون من المصلحين ، ألا بُعداً لمبارك وبُعداً لزين العابدين ، قال الشعبان الثائران .
لم يمض شهر على انتفاضة تونس حتى خرجت الثورة في مصر خروج الوردة من أكمتها ، خرجت الثورة من الحواري الفقيرة ومن أحلام العطلين المجهضة، ومن شباب الطبقة الوسطى ، الذين ظنّت بهم الظنون ، وأدخروا لأدوار ليس من بينها الانشغال بالسياسة والهم العام .
خرجت الثورة من مصر من أمة ضاقت بحاضرها وضاقت بمستقبلها ، وفرّت دخيلة الى ماضيها وبه تتعزى ، أمة كان قدرها أن تكون قائدة ورائدة ، فرأت نفسها في ثلاثين سنينها الخالية ، يتراجع شأنها بين العالمين ، ويضجُّ مفكروها ومثقفوها بالشكوى ، يقولون ليست مصر التي نعرف ، ثلاثون عاماً بدأت بلحظة خاطفة ، يوم قررت جماعة على طريقتها أن تصحح مابدأ لها مسارها ، أوغلت بها البلاد فاغتالت الرئيس أنور السادات ، مبارك الذي ظلَّ نائباً للرئيس منذ عام 1975 لم يكن يتوقع أن تكون أقداره بهذا السخاء ، فلا مكان في مصر للانقلابات العسكرية الكلاسيكية ، والحال كذلك ، فان كبار الضباط لا يحلمون بغير وظيفة دبلوماسية أو ملحقية عسكرية في بلد ما ، يكون بها حسن الختام ، لكن مبارك أصبح رئيس جمهورية مصر العربية في أكتوبر عام 1981 .
ثلاثين عاماً كان فيها مبارك العنوان السياسي الأوحد لمصر ، لم ينصحه خلالها الأصدقاء الحلفاء ، سدلة الديمقراطية وحقوق الانسان في الغرب ، بأن عشر سنين تكفي ، أو ربع قرن أكثر مما يطيقه الشعب ، وقديماً قيل أن من يعيش الثمانين لا حول له يعي ، لكن مبارك في الثمانين كان حريص على السلطة يتنقل بين كل دورة حكم وأخرى انتقالاً سلس ، تضمنه انتخابات معلولة وصناديق كاذبة خاطئة ، كل ذلك كان يجري باسم الديمقراطية في وفاء تام بطلوباتها الشكلية ، استطاع مبارك ورجاله التوصل الى الصيغة السحرية لاحكام السطية على الدولة ، عبر مزاوجة نفوذ السياسة ونفوذ المال ، لتبدأ دورة التهميش السياسي للشعب ولأحزابه وتنظيماته المدنية ، ولأن شرط السيطرة على السلطة في ذهن حاكم يعتقد أن التداول عليه يتم بينه وبين الموت أو بينه وبين ابنه ، فقد تفنن نظام الحكم في اضعاف المعارضة وارهابها .
أبقى مبارك على قانون الطوارئ الحاكم للبلاد منذ 1981 وهو قانون مقيد للطلاقة السياسية ، فقد تحولت مجالس الشعب حيث من المفترض أن تقع على مراقبة الأداء التنفيذي بالاضافة الى النهوض بالمهام التشريعية الى مسرح لاستعراض صفوة الحزب الحاكم حيث لا مكان لصوت الشعب في مجالس الشعب ، ولم تكن مناهضة التعديلات الدستورية في 2007 فقط لأنها تكبل الأحزاب بألف قيد ، وتحول بينه وبين التمثيل النيابي ، ولكنها كانت تمهد الطريق لابن الرئيس جمال مبارك لخلافة والده ، وكانت حصيلة ثلاثين عاماً من حكم مبارك أن تردت السياسة وافتقر الوطن والمواطن .
اتسعت أحزمة الفقر ، وتزايدت جيوش العاطلين ، وانسدت الآفاق في وجه الملايين الذين وجدوا أنفسهم تحت خط الفقر ، وقد الفت مصر على عهد مبارك الدعم الدولي وخاصة الأمريكي ، حيث أصبح بند ثابت في الميزانية ، وهو ما تآذى منه المصريون ورأوه خصماً لكرامتهم الوطنية .
ولقد كانت مصر على عهد مبارك قد اعتمدت على الدعم الدولي والعطايا ، ولا يكون دعم بغير ثمن ، وقد دفعت مصر على عهد مبارك أثمان بالسياسة باهظة ، وتحولت من جراء كله الى مقاول سياسي معتمد لعملية السلام غير منتجة للسلام ، وصارت مصر مبارك تمسك بمفاتيح بوابة رفح في موقف مناهض للمشاعر الوطنية المصرية تجاه حصار غزة ومجمل مواقفه من القضية الفلسطينية .
ثلاثون عاماً تراجع دور مصر القومي وتقزم خلالها أحلام المواطن المصر يفي الرفاه والتقدم والحرية ، ثلاثون مرت ثم وقع لمبارك أن ينل من حظه موفوراً من أي شيء ، كذلك قال زين العابدين من قبل ، أما زال في مدرسة القادة والزعماء من لم يفهم الدرس بعد على بساطته .