يقول احد الحكماء " انك تقضي العمر كله في بناء سمعة طيبة ولكن لا تحتاج الا لثانية لتشويه ما بنيت " . حينما كُلّف الدكتور معروف البخيت بتشكيل الحكومة الجديدة اطلق العنان لتصريحاته بأن حكومته لن تكون الا حكومة الحراثين الذين لا يتحدثون الا اللهجة الاردنية و يعرفون جغرافيا الوطن شبرا شبرا . يومها سُعدنا جدا لتصريحات الرئيس البخيت واعتقدنا ان اولى خطوات تصويب الخلل قد بدأت فعليا . إلا ان الحكومة وعندما خرجت الى النور بتشكيلتها الرئيسية ولم يكن بها الحراثون الذين وعد البخيت بهم لم نهاجمه وقلنا لنعطي الرجل فرصة فقد تكون الظروف غير مساعدة له وان 14 وزيرا الجدد الذين يتسلمون مناصب وزارية لأول مرة هم أولئك الحراثون الذين نبحث عنهم .
وكتبنا ما كتبنا في المرة السابقة عن حكومة البخيت وهُوجمنا من قبل البعض لأننا قمنا بمدح الرجل ولم نغضب من الهجوم مع اننا قلنا بأننا سننتظر إجراءات الحكومة حتى نستطيع الحكم عليها وفعلا كانت بعض الإجراءات التي قامت بها حكومة معروف البخيت مؤخرا قد اعطت انطباعات ايجابية لدى الرأي العام بدءا بتصريحات الرئيس حول نقابة المعلمين ومرورا بقيام وزير الزراعة بإعادة عمال المياومة المفصولين الى عملهم وليس انتهاءا بإلغاء حجب المواقع الإلكترونية عن الوزارات و المؤسسات و تحويل ملف الكازينو الغامض الى هيئة مكافحة الفساد . فالرئيس معروف البخيت كما يبدو من هذه الخطوات اراد "تعمير " ما " خربه " سمير .
اقول كل هذه الإجراءات والاشارات الايجابية اعطتنا انطباعا ان الحكومة قد تكون تسير في الاتجاه الصحيح إلا ان قرأت خبرا على بعض المواقع الالكترونية مفاده ان النية تتجه لدى الحكومة لتعيين وزير النقل السابق ووزير الاشغال الاسبق ومدير عام دائرة الجمارك الاسبق علاء البطاينة سفيرا للاردن في لندن او امينا لعمان او رئيسا لسلطة اقليم العقبة يعني بما معناه ان على علاء البطاينة ان " يتدلل " في اختيار المنصب الجديد الذي يروق له .
وفي الحقيقة اثار هذا الخبر إن صح غضبي وغضب الكثير من المواطنين الذين يعلقون على المواقع الالكترونية والذين لا يعلقون . وكأن "السوبرمان " البطاينة ليس له مثيل حتى لا تطيق الحكومة الانتظار لأكثر من اسبوعين من خروجه من الحكومة حتى تبحث له عن منصب وكرسي جديد يجلس عليه . ام ان الجينات التي يتمتع بها البطاينة فريدة من نوعها ولا توجد عند اي اردني اخر .
تابعت مقابلات معروف البخيت السابقة بعد ان خرج من الدوار الرابع باتهامات الكازينو و تزوير انتخابات 2007 وكنت اراقب عندما قال بأن حكومته تعرضت لمؤامرة وان البعض كان يلعب من وراء ظهره . يومها تعاطفنا مع الرجل وقلنا انه قد يكون محقا مع ان هذا الامر يُسجّل ضده لا معه لأنه كان صاحب الولاية العامة وكان بإمكانه ان يتصرف كرجل دولة ويستقيل فعليا ويعترف بما جرى قبل ان يغادر الدوار الرابع والا كيف لا يعرف رئيس وزراء الاردن ما يجري حوله ؟
نعم تعاطفنا معه لأننا شعب عاطفي ولا نحاسب على الاخطاء وقلنا هذه المرة ان البخيت قد يكون تعلم من تجربته السابقة ولكن " حليمة وعادتها القديمة " لا يمكن ان تفارق اسلوبنا في اتخاذ القرارات وتحديدا في تعيينات الدولة للمناصب العليا .
ولذلك لا نستطيع فراقا للرجل الخارق علاء البطاينة سواء كأمين لعمان أو رئيسا لسلطة العقبة أو سفيرا في لندن " مربط خيلنا " فقد يكون الرجل بحاجة لنقاهة بعد خدمته الطويلة في الحكومات وليس هناك افضل من منصب السفير في عاصمة الضباب وبعد ذلك العودة لنا ربما رئسيا للوزراء ! ألم يكن البخيت سفيرا وعاد رئيسا ؟!
وهذا الحال ينطبق على العشرات بل المئات من ابناء المسؤولين الذي تختلف جيناتهم كما يبدو عن جينات كل الاردنيين . والقائمة تطول وتطول إذا اردنا الحديث عن الوزراء وابنائهم واحفادهم وابناء عمومتهم واصدقائهم و " اصهارهم " وانسبائهم .
أليست الارض الاردنية حُبلى بالالاف من ابناء الحراثين والعمال الذين تحصّلوا على اعلى الدرجات العلمية والقادرون على قيادة دفة السفينة ؟! أم ان هذه المناصب كُتبت حكرا على جباه ابناء طبقة " الكريما "؟
إن بقيت الامور على ما هي عليه فإن الانفجار قادم لا محالة لأن الناس ملّت الاكاذيب والتدليس وملّت ما تراه من تجاوزات بعينها المجردة .
قد تكون الاحتجاجات والاعتصامات والمسيرات بدأت بسبب الفقر وضنك العيش والواجهات العشائرية ونقابة المعلمين وعمال المياومة ولكن الشعوب بدأت تعد على الحكومات حتى انفاسها لأنها لم تعد تحتمل تهميشها بهذا الشكل المزري وكأنها تعيش في كوكب اخر .
إبن الحراث يفتخر بأن ابيه حراثا ولكنه يريد من ابيه ان يرى ثمرة جهده قد وصلت الى منصب يستطيع من خلاله خدمة الوطن وعلى معروف البخيت ان لا يرتكب ذات الاخطاء التي ارتكبها من سبقوه وعليه ان يعرف ان تاريخه كاملا معلّق على ما سيقوم به وإلا ستكون نهايته كما الاخرين . ألم نقل في البداية انك تقضي العمر كله في بناء السمعة الطيبة ولا تحتاج إلا الى ثانية حتى تشوّه السمعة التي افنيت عمرك في بنائها . ولك بالكازينو يا دولة أبو سليمان مثال واضح .
يُروى عن الخليفة الصادق ابو بكر رضي الله عنه انه قال يوما في البطل خالد بن الوليد
" عجزت النساء ان يلدن مثل خالد " ولكننا نعكس الامر في حالة علاء البطاينة ونتسائل أعجزت النساء في الاردن ان يلدن مثل علاء البطاينة ؟
dairi21@hotmail.com