زاد الاردن الاخباري -
لا يمكن أن تسترخي الحركة الإسلامية في الأردن بعد التسريبات حول زيارة وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني للسعودية ومقايضة عودة العلاقات الخليجية بالتخلي عن جماعة الإخوان المسلمين. مثل هذه التسريبات وتحديدا في عمان من شأنها أن تقضّ مضجع الجماعة، خصوصا وهي تعود لمفردات التصعيد والجفاء مع الدولة والأخرى تقابل التصعيد بالتصعيد.
فقبل يومين فقط، كان يمكن بسهولة مراقبة تصاعد حدّة اللهجة في الأردن بين الاخوان المسلمين والدولة، وتحديدا بملف الاعتقالات، إذ أطلق ممثلو الجماعة مصطلحات حقوقية قاسية مثل “الاختفاء القسري” والمخاوف من “الاكراه المعنوي والمادي” الذي يتعرض له ثلاثة معتقلين في السجون الأردنية.
مثل هذه المصطلحات يعرف المراقب للمشهد انها تدلّ على عودة الجفاء الحاد بين جماعة الاخوان ممثلة بحزب العمل الإسلامي والدولة، وهو ما دلّت عليه كل الإشارات في ازمة المعلمين الأخيرة، حيث اتّفقت اجنحة الدولة التي لا تتفق في العادة على كون الجماعة تقف خلف اضراب المعلمين الذي استمرّ لشهر متواصل قبل ان ترضخ الحكومة لمطالب هذه الشريحة العريضة.
لاحقاً ظهرت حالة اعتقال غريبة لقياديين في الحزب، هم الدكتور سلمان المساعيد، والدكتور منير عقل، بالإضافة إلى اعتقال مقداد الشيخ، في مشهد يؤكد أبناء الحركة الإسلامية انه غير مألوف منذ مدة طويلة، حيث مُنع ذووهم من زيارتهم ولم توجّه لهم أي تهمة، لمدة تزيد عن 60 يوما، وفق ما تقله وسائل اعلام مقربة من الحزب ومحسوبة عليه.
رئيس هيئة الدفاع عن معتقلي حزب جبهة العمل الإسلامي المحامي حكمت الرواشدة، أكد ان محامي المعتقلين لم يتمكنوا من زيارتهم وكذلك منظمة الصليب الأحمر من لقاءهم لغاية هذه اللحظة (قبل يومين)، بالرغم من مرور ما يزيد على الشهرين على اعتقالهم، مضيفاً “هذا الأمر يحدث للمرة الأولى في الأردن”.
الاعتقالات المذكورة، لا تبدو منفصلة عن مشهد إقليمي يصعّد بكل مفرداته في التعامل مع الاخوان المسلمين، وهو ما يجعل الحركة الإسلامية ترتبك بسبب مشهد غير مسبوقٍ في المملكة الرابعة، ويبدو انه تجاوز عمليا الرغبة الأردن بكل تعابيرها، خاصة وأن الدولة أيضا بمؤسساتها الأمنية تحديدا تبدو وكأن “خلقها ضاق” ولم تعد قادرة على “الملاعبة” ولا حتى التخطيط قبل التصرف وفقا لما ترغبه أو تنسق حوله.
هنا المراقبون يتحدثون عن قلق “غير معلن” وكبير في أوساط الحركة الإسلامية من “خطة إقليمية” يشارك فيها الأردن الرسمي، تهدف للانقضاض على الحركة بصورة كاملة. في المشهد المذكور تظهر بوضوح التسريبات المنقولة عن البيت الأبيض برغبته بوضع الاخوان المسلمين على لوائح الإرهاب الامريكية.
اليوم، تزيد التسريبات عن الزيارة القطرية الطين بلّة بالنسبة للاخوان، ليس فقط لانهم سيخسرون واحدة من اهم الدول الداعمة لهم ولروايتهم في العالم العربي، ولكن لان هذا معناه ان البيت الأبيض ماضٍ بخطّته فعلاً وان حلفاءه قد يكونون غير قادرين على تغيير مسار الخطة المذكورة.
هنا لا تزال التسريبات حول قطر وإصلاح ذات البين مع الخليج العربي قيد المراقبة من الإقليم ككل بكل الأحوال ولكن الحركة في الأردن لن تستطيع بالتأكيد بعد تسريبات لم تنفها الدوحة ان تتفاعل بأريحية وهي ترصد منسوب المعادين لها اليوم وهم يزدادون في مراكز صنع القرار.
هؤلاء طبقةٌ ظهرت بوضوح في حراك المعلمين، والذي كان عملياً، وبالنسبة للدولة مغيّراً لقواعد اللعبة.
ففي الحراك المذكور، وفي تقييم ابعد قليلا عن الدولة والاخوان على حد سواء، كان يمكن لمس “تلاعب” و”تذاكٍ” من جانب قيادات في الحركة الإسلامية في التفاوض والمناورة، مقابل إصرار في الدولة على التعامل مع القيادات ذاتها على أساس أنها صاحبة كلمة الفصل في الشارع بدلا من التعامل مع الأزمة كمطلبية محقّة للمعلمين.
بأزمة المعلمين بدأ الجفاء يتصاعد، وتبلورت قناعات بأن اخوان الأردن غير راغبين بالتنسيق في أزمة هددت آلاف الطلاب في المملكة وفق الرواية الرسمية، في حين ووفق رواية الاخوان، فان الدولة أصلا لم تحاول التفاوض ولا التفاهم، وكانت تستخدم عبر معظم ادواتها وسائل التهديد والوعيد، بما في ذلك الفتك بالجماعة مجددا سياسيا وقانونيا.
بنظرة ابعد قليلا عن المشهد الأردني يمكن اعتبار ان الازمة في ملف اضراب المعلمين، كانت عمليا وسيلة لتبرير الانقضاض المحتمل على الحركة من جانب الدولة ووسيلة الاثبات من جانب الجناح الرافض للحركة بانهم ليسوا اهلا للتعاون مع الدولة، والاضراب ذاته هو الوسيلة التي قررت الجماعة ان تمنحه للسلطات كمكتسب لها من خلال الية التفاوض التي وصفتها شخصيات امنية بانها “مغرورة” بكل الاحوال.
الطرفان اليوم يقفان على حافة الاشتباك بالتفاصيل رغم ان الاشتباك الحقيقي لم يبدأ بعد. إلا ان مراقبة المشهد الأردني بعد التسريب عن قطر من شأنه بالضرورة ابراز الموقف الأردني الحقيقي من الجماعة وتحديدا قبيل انتخابات نيابية منتظرة العام المقبل، يبدو ان الدولة لا تريد لهم فيها الكثير من الحصص.
بكل الأحوال، الدولة والاخوان على الاغلب يخسران باستهداف متبادل بهذه الصورة، إذ اثبتت التجربة ان احدهما يحتاج الاخر في المعادلة الأردنية المعقّدة وتحديدا في موجهة التحولات الإقليمية وبالأخص في الملف الأكثر قربا لعمان، ملف القدس والقضية الفلسطينية، إلا ان كل المؤشرات حتى اللحظة تقول ان عمان تتجه نحو تصعيد داخلي يقابله جفاء وبرود خارجي مع قطر وتركيا في توقيت مثير جدا.فرح مرقة