زاد الاردن الاخباري -
فرانكلين لامب*
بسم الله الرحمن الرحيم. "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز".
وفقاً للجيش اللبناني، عند الساعة 11 صباحاً، ومرة أخرى في الساعة الواحدة ظهراً، يوم 24/11/2010، عبر ما مجموعه ست طائرات إسرائيلية المجال الجوي اللبناني، منتهكة بذلك للمرة 825 قرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي كان قد أنهى حرب إسرائيل الخامسة ضد لبنان يوم 14 آب (أغسطس)، 2006. وفي كل يوم تقريباً، وأحياناً عدة مرات في اليوم، تقوم الطائرات المقاتلة، أو/و طائرات الاستطلاع بغزو السماء فوق لبنان من أجل ترويع السكان اللبنانيين، ومحاولة إخضاعهم، والضغط عليهم. كما تحاول أيضاً إحكام المراقبة على المقاومة اللبنانية التي يقودها حزب الله.
كما يعرف كل مدافع عن المقاومة، إذا ما طار فوقك عالياً قمر صناعي مزود بكاميرا تصوير أقمار صناعية مبرمجة خصيصاً من صناعة أميركية، والتي تستطيع أن تتعقب حجراً بحجم كرة الغولف إذا تحرك من مكانه منذ الصورة الأخيرة، فإن صور أي منطقة يُعتقد بأن قوات حزب الله ستقوم بزيارتها تخضع لفحص دقيق من إسرائيل والمحللين الأميركيين. ويتم تحليل تحرك أي حجر أو غصن شجرة، أو زيادة بضع أغنام أو نقصانها من قطيع يرعى، على سبيل المثال، في "المحميات الطبيعية" في لبنان. والسبب الذي ربما يحيط بتوقع فشل إسرائيل المرجح في حربها القادمة ضد لبنان، وفقاً لقوات اليونيفيل (قوة الأمم المؤقتة المؤقتة في لبنان) ولمصادر الولايات المتحدة، هو أن إسرائيل لم تتمكن أبداً من معرفة ما حدث لمئات الأطنان من الحجارة والتراب، والتي تم نقلها خلال إنشاء ما يشتبه بأنه مئات من التحصينات والملاجئ العميقة لحزب الله، والتي لا يمكن أن يخترقها سوى سلاح نووي. وتقع بعض هذه الملاجئ، حرفياً، تحت الأنوف أو حيث يعيش المشتبه بأنهم عملاء لإسرائيل، أو حيث تقوم قوات اليونيفيل بتسيير دورياتها يومياً. وقد تساءل أحد ضباط اليونيفيل مؤخراً: "هل يقومون بإزالة الأنقاض بحمل ملعقة الشاي؟"
ومما يقلق راحة الجيش الإسرائيلي أيضاً ويقال إنه يخضع للرقابة بحيث لا تشاهده القوات الإسرائيلية، مجموعة من أشرطة الفيديو التي تحتوي على تدريبات لحزب الله، والتي يعتقد بأنها صورت بواسطة كاميرات الولايات المتحدة عالية الكفاءة من علو شاهق. ويقال إن علماء النفس في "جيش الدفاع" نصحوا مجلس الوزراء الإسرائيلي بأن رؤية أشرطة حزب الله ربما تلحق المزيد من الضرر بثقة القوات الإسرائيلية إذا ما أمرت بمهاجمة لبنان مرة أخرى.
ويعرض أحد هذه الأفلام ما يلي: صف من مقاتلي حزب الله على قمة جبل في واد شديد الانحدار جنوب نهر الليطاني يركبون الدراجات بمعدلات عالية جداً من السرعة. ويجب على المتسابق أن يرفع الدراجة لتسير فقط على العجلة الخلفية، بحيث يكون وجه الجندي في مواجهة السماء وظهره مستو في موازاة الأرض وعلى بعد قدمين منها. ويجب على الجندي الذي يخضع للاختبار أن يقود دراجته بسرعة تقارب 90 ميلاً في الساعة وهو يحمل قاذف (آر بي جيه) في إحدى يديه، وهاتفاً خلوياً في اليد الأخرى منتظراً أمر الإطلاق من مركز قيادة تحت الأرض. ويجب على المقاتل بعدئذ أن يطلق الصاروخ على غصن شجرة من خلال إطار صغير متأرجح على بعد يقارب 120 متراً. ويتطلب تسجيل أقل من 11 تصويبة من أصل 12 إعادة التدريب الجسدي المجهد. وقد علق أحد قادة اليونيفيل، والذي يزعم أنه على دراية بهذا التدريب من تدريبات حزب الله بشكل خاص، بقوله إن أياً من جنود قوات اليونيفيل القادمين من 28 دولة لا يستطيع حتى تطبيق هذا التدريب، ناهيك عن إطلاق صاروخ (آر بي جيه) واحد من خلال إطار متأرجح. وقال: "أشك كثيراً في أن يوجد أي إسرائيلي يستطيع القيام بذلك أيضاً. ربما يكون مقاتلو حزب الله هم الأفضل في العالم. ولم يسبق لي أن درست الصينيين عن قرب، لكنني شهدت عدداً كبيراً من الآخرين".
إن هذه الأنواع من المهارات هي التي استخدمها مقاتلو حزب الله لفرض الأخطاء الكثيرة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية خلال حرب تموز (يوليو) 2006، وكذلك خلال السنوات الثماني عشرة من احتلال جنوب لبنان (1982-2000) ولو أن الأخبار لم تتناقل ذلك بشكل واسع. تلك الأخطاء التي وصفتها لجنة "فينوغراد" الإسرائيلية بأنها "أسوأ أنواع الأخطاء والإخفاقات التي ترتكبها القوات البرية". ومن بين الأمثلة التي ما تزال تناقش في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وربما في تل أبيب وواشنطن، قيام قوات حزب الله بهزيمة قوات "النخبة" من كتائب غولاني، وجفعات، وماغلاند في مارون الراس على الحدود اللبنانية الفلسطينية ما بين 25-30 تموز (يوليو) 2006. ومن الأخطاء الأخرى معركة بنت جبيل التي أسماها دان حالوتس خطة "سوط الفولاذ" الإسرائيلية، والتي كان من المتوقع أن يستغرق الأمر أقل من 48 ساعة لهزيمة قوات حزب الله بدءاً من 24 تموز (يوليو). ولكن، وبحلول 30 تموز (يوليو)، انسحبت قوات غولاني الممزقة إلى حد كبير، وعاود سلاح الجو الإسرائيلي تجديد قصفه العشوائي. وعلى الطريق من بنت جبيل، وعند قرية عيتا الشعب، فقدت إسرائيل 26 جندياً وأصيب أكثر من 100 من جنودها بجروح خطيرة من دون الحصول على شبر واحد من الأرض.
وقبل وقت قصير من موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار، واجه جنودها كارثة عند وادي السلوقي، وهو واد تم إرسال رتل من الدبابات الإسرائيلية عبره من أجل إقامة اتصال مع القوات المحمولة جواً في قرية الغندورية. وكانت الخطة الإسرائيلية، التي قرأتها قوات حزب الله من البداية، هي التحرك باتجاه صور والاتجاه شمالاً. وكما شهد جندي إسرائيلي كان حاضراً فيما بعد: "لقد قفزوا (مقاتلو حزب الله) خارجين من الأرض في كل مكان حولنا". وضرب حزب الله أكثر من عشر دبابات، وقتل بسرعة 17 جندياً وأصاب أكثر من 50 آخرين بجراح. وقد أصبح ذلك اليوم معروفاً في الأوساط العسكرية الإسرائيلية باسم "السبت الأسود، والسبت الملعون"، كما علق أحد ضباط غرف الحرب الإسرائيليين.
بشكل متزايد خلال حرب تموز (يوليو) 2006 التي استمرت 33 يوماً، رفضت القوات الإسرائيلية أوامر بالتقدم باتجاه مقاتلي حزب الله، وفضل الجنود بسعادة عقوبة السجن لمدة 14 يوماً بسبب رفض الأوامر. وفيما يتعلق بمشكلات التجنيد في جيش الدفاع الإسرائيلي والتهرب من الخدمة، ووفقاً لكابتن الجيش الإسرائيلي آري تشاليسار، قائد "وحدة التهرب من الخدمة في جيش الدفاع الإسرائيلي"، فإن دافعي الضرائب الأميركيين هم الذين يسددون فاتورة ثماني شركات من المحققين الخاصين التي تم استئجارها مؤخراً لتعقب المتهربين الإسرائيليين من الخدمة. ويجري استخدام موقع التواصل الاجتماعي الشعبي "فيسبوك" لتعقب الآلاف ممن كذبوا بزعم أنهم متدينون ملتزمون، والذين يسعون إلى تجنب المواجهة مع حزب الله. وعادة ما يتم كشف الإسرائيليين غير الراغبين بالانخراط في الجيش حين يضعون صورة على الفيسبوك، يظهرون فيها وهم يأكلون في مطاعم لا تقدم الوجبات الخاصة بالمتدينين (الكوشار)، أو يقبلون دعوات وهمية لحضور حفلات في ليلة الجمعة (السبت)، والتي يكون قد أرسلها لهم المحققون.
على خلفية دراسة هذه الأنواع من المواجهات بين جيش الدفاع الإسرائيلي وحزب الله، قال أحد أعضاء لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي "فيما يبدو إحباطاً في التوقعات بالنظر إلى العقود الستة الماضية من تدليل إسرائيل بكل أنواع الدعم والغطاء السياسي"، فقد أعلم البيت الأبيض إسرائيل بأن أيام "الأضواء الخضراء" لقصف لبنان الشامل قد ولت. ونقلت الأخبار أن وزيرة الخارجية كلينتون أبلغت رئيس الوزراء نتنياهو خلال زيارته لواشنطن بأن "ينسى الأمر" عندما كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي اللازمة المغثية القائلة بأن "لبنان الآن هو حزب الله، وحزب الله الآن هو لبنان"، حتى يمكن لإسرائيل أن تمارس "الدفاع عن النفس".
وخلال جولة رئيس لجنة العلاقات الخارجية الأميركية، جون كيري، الأخيرة عبر المنطقة في الآونة الأخيرة، حذر المسؤولين اللبنانيين والسوريين من أن إسرائيل قد تهاجم في أي وقت. لكنها حملت أيضاً رسالة لإسرائيل تفيد بأن واشنطن لا تريد أن تقوم إسرائيل بمهاجمة لبنان أو إيران للأسباب نفسها على وجه التحديد. إن إسرائيل لا تستطيع أن تضمن ثقة واشنطن دائماً، كما أن مخاطر حدوث حريق إقليمي هائل بسبب أي من الهجومين تظل كبيرة جداً.
في هذا السياق بالذات، تقوم واشنطن باستخدام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان باعتبارها حرباً سادسة ضد لبنان، بعد حروب الأعوام 1978، 1982، 1993، 1996 و2006. وقد أوردت صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر يوم 16/11/2010 كشف وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان عن أن إسرائيل كانت تساعد المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في "تحقيقها".
وفقاً لمصادر وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، بمن فيها متقاعد مخضرم كان يدير مكتباً لها في بيروت لمدة 22 عاماً، فإنه "لا يتم النظر إلى أكبر ميزات حزب الله في مقابل إسرائيل في الحرب التالية ضد إسرائيل في واشنطن باعتبارها قائمة فقط على قدرة حزب الله الواضحة على السيادة في ميدان المعركة ضد قوات إسرائيل البرية، وقدرته على تحمل القصف الشامل المحتمل لأيام أو أسابيع أو شهور، وأثناء الصراعات غير المتكافئة إلى حد كبير. بدلاً من ذلك، يجري تفسير نجاح حزب الله المتصاعد ضد الإسرائيليين على أنه يعود إلى ثقافة أخلاقية وسياسية وشعبية ودينية ونفسية، والتي يتم تعزيزها من خلال "لبننة" حزب الله والقبول الواسع الذي يلقاه من الطوائف الأخرى، في حين يصفه البعض في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) كما هو حاله الآن بأنه "ثامن أعظم قوة صاروخية في العالم".
وهناك أيضاً عامل البيئة التي تحتضن حزب الله والمقاومة. هؤلاء هم الناس الذين لن يقبلوا بعد الآن بالاستسلام لإملاءات إسرائيل، والولايات المتحدة، والقوات اللبنانية، وحزب الكتائب، أو أي شخص آخر. وبقدر ما يتعلق بالمقاومة، فإن أحداً لا يستطيع أن يطلب من شعب كان مضطهداً ومحتلاً ومُهاناً من الآخرين لعقود وقرون، والذي استطاع مع ذلك امتلاك القوة للدفاع عن نفسه في وقت تخلى عنه فيه كل الآخرين، أن يتخلى عن عنصر قوته ويصبح مرة أخرى تحت رحمة التهديدات الإسرائيلية، إلى جانب حلفاء إسرائيل المحليين. ويعتقد حزب الله بأن عليه كسب الحرب التالية من أجل مصلحة البلد كله، وذلك لأن الجيش سيئ التجهيز ولأن في لبنان المئات، وربما الآلاف من عملاء الموساد، والذين هم على تماس بمؤسسات البلد. وكان عضو البرلمان من حزب الله نواف الموسوي قد قال في عدة مناسبات إن لوائح اتهام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي تتهم حزب الله باغتيال الحريري سوف تُعامل باعتبارها غزواً أميركياً وإسرائيلياً، وقد أثبت حزب الله حتى الآن أن لديه مهارات عظيمة في مجال مقاومة "الغزوات". ويصعب كثيراً استفزاز حزب الله أو إخضاعه، لكنه يقاتل ويرد عندما يتعرض وجوده نفسه للتهديد.
لقد حطم حزب الله أسطورة إسرائيل التي لا تقهر، وكسر حاجز الخوف، وزاد المطالبة الشعبية بالمقاومة، وكشف عملية السلام الزائفة ورفض منطق التهدئة الوهمية، والإذعان والاستسلام. وعلمت قوات حزب الله العالم أن العرب يمكنهم وسوف يستطيعون تحرير فلسطين لأنهم يمتلكون السمات والفطنة للقيام بذلك. أما زعماء المنطقة الذين اختاروا طوال ستة عقود الاحتفاظ بعروشهم وفضلوه على القدس، فقد أصبحوا يرتجفون مثلهم مثل إسرائيل.
من الواضح أن هذا المراقب ليس مطلعاً على أي معلومات أمنية متعلقة بحزب الله، وسوف يكون فعلاً خيانياً وغير قابل حتى للتصور أن يتقاسم أي شخص في حزب الله أياً من هذه المعلومات. لكن من بين السيناريوهات الكثيرة التي يقال إن المقاومة الوطنية اللبنانية تحضرها لها، غزواً محتملاً من شمال لبنان باستخدام قوات من دولتين عربيتين كانتا تحاولان لسنوات تدريب القوات السنية واللبنانية. وهذه الخطة، إذا كانت موجودة، سوف تحاول إجبار حزب الله على الخروج من بيروت عائداً إلى الجنوب، عن طريق استخدام نوع الحرب الخاطفة من الغزو باستخدام قوات عربية وأميركية وإسرائيلية تهاجم جنوب بيروت، بينما تقوم قوات شمال لبنان السنية والمسيحية بمراقبة الطرق التي تقود إلى خارج بيروت. وسوف تحاول قوات الكتائب السيطرة على جبل لبنان، بينما ستحاول القوات الخاصة العربية مطاردة حسن نصر الله وقيادة حزب الله وسط خرائب وأنقاض "خيار الضاحية". وسوف يتم جعل ذلك قانونياً تماماً ويحظى باحترام الجميع عن طريق لوائح الاتهام والإدانات التي تصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
يذكر هذا النوع من السيناريوهات بالوقت الذي قام فيه الفرنسيون بإرسال المغاربة والجزائريين للقتال ضد الأتراك نيابة عنهم في القرن الماضي. وقد سئل جنرال فرنسي في الميدان: "لماذا ترسلون المسلمين للقتال ضد المسلمين؟"
ويقال إن الجنرال ضحك وأجاب، "إذا كسبتم أنتم العرب، فسننال نحن الفضل، وإذا مات عربنا أو عربهم، فمن يهتم!"
*مدير منظمة "أميركيون معنيون بالسلام في الشرق الأوسط"، بيروت-واشنطن دي. سي. وعضو مجلس إدارة مؤسسة صبرا وشاتيلا، ومتطوع في حملة الحقوق المدنية الفلسطينية، لبنان، وهو مؤلف كتاب "الثمن الذي ندفعه: ربع قرن من استخدام إسرائيل للأسلحة الأميركية ضد المدنيين في لبنان"، وهو يجري بحثاً في لبنان من أجل كتابه التالي.
*نشرت هذه القراءة تحت عنوان:
Can Israel Defeat Hezbollah in The Coming War