زاد الاردن الاخباري -
أعرف وأؤمن تماماً بالمثل الشعبي المصري الذي يقول "لو كلمة متشعلقة في الجو"، فهي لا تقدم ولا تؤخر، ولكني أستأذنكم في أن نحاول معاً أن نلعب ولو قليلا بـ"لو"!!. لا أنسى هذا المشهد الذي تم التقاطه ونُشر قبل أربعة أشهر في صدارة كل الصحف.. وفد من الفنانين يحيطون بالرئيس "مبارك"، تستطيع أن تدرك من خلال هذه اللقطة أنهم جميعاً كانوا يتسابقون من أجل الوقوف بجواره، وفازت "يسرا" حيث التقطت لها الصورة وهي تقف على الميمنة من الرئيس، وعلامات الفخر بهذا الفوز مرسومة على وجهها، ربما كان الأمر محسوماً لصالحها، فهي الأكبر سناً بالقياس لكل النجمات الجدد اللاتي حضرن اللقاء، وهن: "منى زكي"، "نيللي كريم"، "منة شلبي"، وهي أيضاً الأكثر احتفاظاً بعلاقة وطيدة مع الرئيس وأسرته. المعروف أن "يسرا" أطول من "مبارك" على الأقل بـ 15 سنتيمترا، ولكنها في هذه اللقطة بدت أقصر منه بنفس العدد من السنتيمترات.. أتصور أن ذكاء "يسرا" جعلها لا ترتدي حذاء بكعب، كما أنها حرصت على أن تنحني قليلاً ليبدو الرئيس أطول منها. قد تبدو ملحوظة هامشية إلا أنها تحمل دلالة على تلك العلاقة بين النجوم والرئيس؛ إنه الحرص على أن الصورة تطلع حلوة وترضي الرئيس، ويبقى الحديث عن الجبهة اليسرى والتي ضمت عدداً من فطاحل النجوم، لا أتصور أن المعركة كانت سهلة؛ الكل كان يسعى للفوز بالوقوف مباشرة بجوار الرئيس، استحوذ على تلك المكانة "عزت العلايلي"، وتناثر بجواره هنا وهناك أقصد على الميمنة والميسرة "محمود ياسين"، "حسين فهمي"، "يحيى الفخراني"، "أشرف زكي"!! وكما تسابق النجوم في التصوير بجوار الرئيس تسابقوا أيضاً في الإدلاء بأحاديث تؤكد أنهم تحدثوا عن أزمة السينما وعيد الفن، وكأنهم لا يدركون شيئاً عما يحدث في المجتمع بعيداً عن السينما والعيد. قالت الصحف إن اللقاء استغرق أربع ساعات وحرص الجميع على التأكيد بأن الرئيس بصحة جيدة، وإنهم شربوا الشاي أربع مرات، وإنه أقصد الرئيس كان سعيداً وبشوشاً وله ذاكرة قوية. كانت هذه الزيارة تبدو وكأنها أحد وسائل الدولة لتقديم صورة لخداع المواطنين، تؤكد لمن يتشكك أن الرئيس في صحة جسدية وعقلية جيدة، وفهم الفنانون الحاضرون اللقاء أن هذا هو دورهم، وأجادوا أيضاً أداء هذا الدور. الحقيقة هي أن النظام كان قد أصيب بورطة عندما فوجئوا بأن الرئيس وجه الدعوة إلى "طلعت زكريا" قبل لقائه بالفنانين بأسبوع واحد وعقد معه لقاء استمر نحو ساعتين.. كانت الدهشة تبدو على الصحف الرسمية التي استشعرت أنها إحدى نزوات الرئيس، فلم تستطع تجاهل الخبر، وأيضاً لم تمنحه الحجم الصحفي المعتاد في كل لقاءات الرئيس، فلو تصورنا أن الرئيس التقى مثلاً مع مواطن عادى لمدة بضع ثوان فقط سوف يتم إبراز هذا اللقاء في الصفحة الأولى، وفي كل نشرات الأخبار، ولكن الذي حدث هو أن هذا اللقاء كان مكانه الصفحة الداخلية في كل الجرائد الحكومية، ولم يشر إليه التليفزيون الرسمي وكأنهم يكفون على الخبر "ماجور"!! أغلب الظن أن "زكريا عزمي" المحرك الأساسي للنظام كان وراء الإعداد للقاء الرئيس الثاني مع النجوم سريعاً حتى يمتص الغضب المحتمل لدى عدد من النجوم الذين شعروا أن الرئيس تجاهلهم واختار طباخ الرئيس، بعد ذلك جاء لقاء الرئيس مع عدد من المثقفين، وتم اختيارهم على الفرازة، مثل: "خيري شلبي"، "صلاح عيسى"، "جابر عصفور"، "يوسف القعيد"، "السيد ياسين"، "سامية الساعاتي"، "عائشة عبد النور". أتذكر أن "منى الشاذلي" استضافت في برنامجها أحد الكتاب الذي كان ينظر إليه قبل دخوله حظيرة "فاروق حسني" بأنه كاتب ضد السلطة، لم يقل هذا الكاتب سوى أن صالون الرئيس لا يختلف عن أي صالون في بيت متوسط الحال، وأن أكواب الشاي التي قدمت لهم من النوع المتواضع القابل للكسر. ماذا لو؟ نعود إلى ماذا لو.. ماذا لو أن النجوم والمثقفين قالوا للرئيس لماذا زادت معدلات الفقر والتلوث البيئي وأصبحنا نشغل المركز الأول في العالم، ماذا لو سألوا الرئيس عن حقيقة ترشحه لولاية سادسة في نوفمبر، وحقيقة توريثه الحكم لجمال، ماذا لو سألوه عن إحساس الناس بغياب العدالة الاجتماعية، ماذا لو سألوه عن تردي المؤسسات التعليمية والصحية والرقابية والقضائية في بلدنا؟! تخيلوا لو أن هؤلاء الفنانين والمثقفين رفضوا أن يلعبوا الدور الترفيهي في حضرة الرئيس، وأشعروا الرئيس أنهم مصريون يدركون ما يعانيه أهلها، بدلاً من أن يصبح الهدف الوحيد من زيارتهم هو أن تصل للناس تلك الصورة؛ الرئيس قوي وصحته عال العال من حقه ولاية سادسة لو أراد، ومن حقه أن يورث الحكم لابنه لو أراد؟! لقد خان أغلب النجوم والمثقفين آمال الوطن لأنهم لم يتجاوزوا أبداً مصالحهم.. بينما شباب "الفيس بوك" كانوا هم الأكثر إحساساً بالناس وقالوها "الشعب يريد إسقاط الرئيس".. وأسقطوه.. بدون الحاجة إلى "لو"!!.
mbc