يوم الجمعة الماضية, اعتدت شلة من الرعاع مدججة بالعصي والمواسير على مسيرة شعبية سلمية في وسط العاصمة عمان وجرحوا بعض المشاركين فيها, وفي سياق تعليق الحكومة على ما جرى وصفت المعتدين \"بالمجهولين\" وهنا والحالة هذه, أنا لا أصدق الحكومة ولا اقتنع بتسميتها. لماذا ؟
المسيرة المذكورة محددة مسبقا ومعروفة المسار من الجهات الأمنية, وهو نفس المسار التي اتخذته كل المسيرات الشعبية وسط البلد منذ أسابيع, وقد حشدت لها الأجهزة الأمنية كما سابقاتها كوادرها المختصة بكل الأشكال وحتى موزعي الماء والعصير, ولم يحدث طيلة هذه الأسابيع أي احتكاك أو اعتداء أو تجاوز, لأن المسيرات كانت كما ذكر المراقبون سلمية وضمن الحدود المقبولة والمجازة, وقد شكر مدير الأمن العام شخصيا المنضمين والمشاركين فيها لانضباطهم وأدائهم الحضاري أثناء كل مراحل المسيرات منذ انطلاقها وحتى انفضاضها. وقد شكرنا جميعنا الأداء الحضاري والمتمدن لأجهزتنا الأمنية تجاه هذا الأسلوب الراقي من التعبير عن الرأي والمعارضة.
أما ما حدث يوم الجمعة الفائت فإنه مع افتراض كل النية الحسنة الممكنة فإنه لإشارة لمن يهمه الأمر, أن الحكومة قد ضاقت ذرعا بطول نفس المحتجين واستمرار فعالياتهم للجمعة السادسة على التوالي إضافة لبعض المسيرات والإعتصامات وسط الأسبوع أيضا, وهي التي راهنت على قصر نفسهم وتسرب الوهن والملل إليهم, فلجأت بالتالي لبعث هذه الرسالة المشفرة للكف عن الإحتجاج والعودة إلى الأسلوب الأليف والمألوف للمواطنة المدجنة.
وإلا كيف نفسر إشارة الحكومة إلى الخسائر التي يتعرض لها التجار بسبب هذه المسيرات, رغم أن المسيرات جمعية التوقيت حيث معظم المحال التجارية مغلقة بالأساس, ثم كيف يفسر عدم إلقاء القبض على بلطجي واحد أو متهم واحد أو مشتبه به واحد ليتم التحقيق معه وكشف من وما وراء فعلته الشنعاء هذه, وهذا رغم التواجد الكثيف لرجال الأمن العام وغيرهم من الأجهزة الأمنية المدنية والعسكرية, واستعدادهم المسبق لأي طارئ.
وكيف تبقى كل هذه الأعداد الكبيرة من المعتدين مجهولة وقد كانوا مميزين عن غيرهم وعن بعد عشرات الأمتار قبل الهجوم المنظم على المسيرة بما حملوا من عدة البلطجة والعدوان. ومن رأى الفيديو الذي تم تصويره لهجوم التتار هذا وهم يلوحون بالعصي عند ساعة الصفر المقررة, لا بد أن يتسائل معي مستهجنا, كيف يكونون مجهولون وهرواتهم ومواسيرهم وصورهم الواضحة للكاميرات التي لا تحصى تنادي, أنا هنا وأنا بلطجي فاقبضوا علي. ولم يقبض على واحد منهم.
وإذا ما أخذنا الكثير من إفادات شهود العيان بعين الإعتبار, وتأكيدهم أنهم سمعوا بعض ضباط الأمن العام الميدانيين يصدرون أوامرهم لكوادرهم بعدم التدخل, فإنهم ومع احترامي لأمننا ورجاله, قد نفذوا أوامر سياسية حكومية لترك البلطجية ينفذون إلى قلب المظاهرة ويقومون باعتدائهم هذا وتركهم ينسحبون بعد إتمام المهمة دون القبض على أي منهم.
هجوم همجي جماعي منظم كهذا الذي حصل يوم الجمعة الماضي, وكل هذه العصي والمواسير التي تسلحت بها هذه الطغمة الخارجة على القانون واستخدمتها ضد المسالمين وحملة اليافطات والأعلام والذي لم يسفر عن اعتقال واحد, رغم الحضور الأمني الكبير, لا بد أن يفتح الباب على مصراعيه لكثير من الأسئلة المبررة والمشككة بادعاءات الحكومة ونيتها المستقبلية للتعامل مع احتجاجات المواطنين ومدى سعة صدرها لصيانة حرية المواطن وحقه المقدس بالتعبير السلمي عن رأية.
لقد أدنا بقوة الإعتداء على الدرك بالقول والفعل وإهانة الرموز الوطنية بالقويسمة, وندين هنا وبشدة سكوت أمننا وأجهزتنا الأمنية الأخرى التي كانت بالميدان يوم الجمعة الماضية ومن أمرهم بالتفرج على الخروج عن القانون وتعريض حياة المتظاهرين وصحتهم للخطر من عصابات البلطجة وتركها تعتدي بهمجية لا نظير لها على من خرج سلميا للشارع معبرا عن همومه وهواجسه ومناديا بتحضر للإصلاح ومحاربة الفساد. وندين أيضا استخفاف حكومتنا بعقول الناس ومدى إدراكهم ووعيهم بوصف المعتدين بالمجهولين ونفسر هذا بأحد أمرين:
ــ إما كان هناك قرارا سياسيا بما حصل لقرص إذن المحتجين للتوقف عن المسيرات فورا ــ أو أن التعامل الأمني لم يكن مهنيا بما يكفي للقبض على أحد المهاجمين المعتدين على المسيرة
ومهما كان السبب والدافع والمحرك لما حصل, فلتعلم حكومتنا أن المواطن الأردني سيستمر بانتقاد الفساد والفاسدين والمفسدين في الأرض, ولن يملوا تكرار المطالبة بمحاربته, ولا المطالبة بالإصلاح والتغيير حتى يتم لهم هذا, ومهما طال الوقت وتعددت المسيرات والاحتجاجات, ومهما واجهوا من حمحمات البلطجية وشتائمهم والتلويح بالقناوي والمواسير, وحتى لو نفذت المهمة مستقبلا من \"الخيالة والهجانة\"
حمى الله الوطن وجنبه شرور السفهاء منا.
جمال الدويري