د.رحيّل غرايبة
من خلال الحوارات الكثيرة التي تجري مع الباحثين، والسياسيين، والمخالفين حول موضوع الخوف من الإسلام أو الخوف من الإسلاميين، وأنّ مجيئهم يثير الخوف في نفوس الشعوب العربية الإسلامية، فضلاً عن إثارة الخوف في نفوس الأجانب والشعوب الغربية وغير المسلمين عموماً.
وأعتقد أنّ هذا الخوف أو التخويف له أسباب وعوامل كثيرة. منها ما يعود للحركات الإسلامية والدعاة، وحملة الفكر والخطباء والمتحدثين باسم الإسلام، ومنها ما يعود للجهل وعدم الفهم الصحيح والإغراق في الانطباعات السطحية والإشاعات والمقولات التي لا تستند إلى أساس صحيح، ومنها ما يعود إلى الخصوم والنخب المتغربة والأنظمة وما يلف لفها.
بالنسبة للعامل الأول فهو الأكثر أهمية والأولى بالعلاج لأن ذلك يعود إلى عدم تقديم الإسلام بصورته الصحيحة وعدم القدرة على توضيح المضامين بأسلوب حضاري معقول، وهذا يشكل إساءة بالغة للإسلام وإساءة بالغة للنفس.
فهناك من يقدم الإسلام على أنّه دين المنع والكبت والمحرمات والحدود والعقاب والقطع والجلد، والتجهم، والغلظة والخشونة والتقريع والإكراه على العبادات، والتدخل في الحريات الشخصية من لباس ومرح وزينة، والضرب من أجل أداء الصلاة، وضرب المرأة وقمع المخالفين، وإعلان الحرب على العالم.
ويصاحب ذلك تصرفات غليظة، وسلوكات فظة، ومنظر مرعب لخلق الله، وإساءة متعمدة بالنظرة واللفظة.
وأريد أن أقول أنّ مثل هؤلاء يصدون عن سبيل الله، ويكرّهون الله إلى عباده، ويفسدون ولا يصلحون، ويسيئون إلى دينهم وعقيدتهم إساءة بالغة، تخدم أعداءهم أكثر ممّا تخدم أمّتهم، وأعتقد أنّهم اقترفوا من الإثم أكثر ممّا اقترفوا من الأجر، من حيث يشعرون أو لا يشعرون.
وأود أن أقول أنّ الإسلام دين الرحمة، والرأفة والمودة والسكينة وأنّه يدعو إلى الرفق في كل الأمور ما لم يكن إثماً، ويدعو إلى اللين والسهولة، وحسن التصرف وحسن الكلام وحسن النظرة وحسن المنظر، وجمال الخطاب وخفة الظل، وخدمة الناس والسير في حوائجهم واحترام خصوصياتهم، وما يصاحب ذلك من بشاشة في الوجه وحلاوة في اللسان وتواضع في الحوار وحرص على الهداية بإخلاص ونية صادقة.
فالقرآن ذكر الأمر بالصلاة على الجملة فقال: {وأقيموا الصلاة} ولكنّه فصل في الآداب تفصيلاً، فذكر القصد في المشية والغض من الصوت، وضرورة الاستئذان والاستئناس، والرجوع عند عدم الإذن، ونفّر من الهمز واللمز والغيبة والسخرية ورفع الصوت، وحذّر من الفظاظة والغلظة، والتكبر والاستعلاء على خلق الله.
أمّا عن الحرية، فالإسلام جاء لتحرير الناس وتحرير إرادتهم، وصون كرامتهم وحفظ آدميتهم وإنسانيتهم، ونهى عن الإكراه حتى في العقيدة والدين فقال الله عزّ وجلّ:{لا إكراه في الدين}. وهذا يعني وبكل تأكيد أنّه لا إكراه في الفكر أو الرأي أو العمل أو التنقل أو اللباس، أو غير ذلك ممّا هو دون العقيدة والدين.
إنّ الذين يريدون أن يصوروا الإسلام عبارة عن جهاز شرطة يمنع ويحرّم ويضرب ويفرض ويقتل ويقطع، إنّما التقطوا الجانب الأصغر والأقل أهمية المتعلق بالمفسدين الخارجين على القانون والدولة والعرف والأخلاق والنظام الذين سخروا أنفسهم لترويع الناس وقطع طرقهم وسلب أقواتهم وسرقة أموالهم وترويع أبنائهم، وإثارة الذعر في شوارعهم وبلدانهم، وهذا موجود في كل دول العالم وشعوبه بلا استثناء.
أمّا أنّ الدولة الإسلامية تفرض على الناس لباساً معيناً، وتطويل اللحى ولبس الجلابيات، وفرض الحجاب على النساء، ومنع الاختلاط، فهذا كله من باب المبالغات والمغالطات، والفهم غيرا الصحيح، فوظيفة السلطة في الإسلام ووظيفة العلماء والدعاة هي بيان الحق وبيان الخير بالحجة والبرهان ومخاطبة العقل والعاطفة، فقط، ولا يملك أحد مهما أوتي من سلطة وعلم أ، يكره أحداً على لباس معين بالقوة والعصا، فهذا مخالف لأبسط قواعد الإسلام الذي ينفي الإكراه في العقيدة والدين، بمعنى أنّه يجوز أن يكون في المجتمع الإسلامي مجموعات من غير المسلمين الذي لا يدينون بالإسلام، وهناك كنائس وصلبان وبيوت نار محروسة ومحاطة بالعناية والرعاية.