زاد الاردن الاخباري -
كتب : بسام البدارين - لا تبدو نخب المؤسسة الأردنية منسجمة في التوقيت والاشتباك والمبادرة وأحياناً في التمرير والاعتراض عندما يتعلق الأمر بالموقف من اتفاقية الغاز الإسرائيلي باعتبارها نتيجة لفلسفة اتفاقية وادي عربة التي يهدد الليكود الإسرائيلي اليميني اليوم بتقويضها.
سمحت السلطة، لسبب غامض حتى اللحظة، لبعض نواب الموالاة البرلمانيين بمراكمة الخطابات ضد الاتفاقية. وتكدست الاعتراضات وأصبحت في سوق المزايدة بالجملة، ثم بدأت خلية العمل الحكومية بالنشاط والتحذير خلف الستارة والكواليس.
لماذا صمتت الحكومة أربعة أشهر؟.. سؤال لا جواب عليه.
لماذا استدركت وقررت فجأة بأن ما يفعله مجلس النواب بخصوص ملف الغاز مربك ومكلف؟
أيضاً سؤال لا جواب عليه رغم القناعة التي عبر عنها لـ «القدس العربي» قطبان برلمانيان هما صالح العرموطي وخليل عطية، بعنوان صعوبة تصديق فكرة تمكين اليمين الإسرائيلي من السيطرة التامة على ملف إستراتيجي مثل الطاقة والغاز. وبالنسبة للجبهة التي يديرها نائب رئيس الوزراء الأسبق جمال الصرايرة فالغاز «أمريكي» وليس إسرائيلياً.
لكن الأهم أن بعض رموز السلطة قرروا التحرك فجأة لحماية اتفاقية وادي عربة، وفي نفس التوقيت المتزامن مع سلسلة كتابات ومقالات ضد الأردن وقيادته مليئة بالتحريض والكراهية في منابر اليمين الإسرائيلي وعلى أساس فكرة قوامها تقويض اتفاقية وادي عربة وإلغائها.
في قياسات رئيس مجلس النواب عاطف طراونة، وحتى في قياسات مسؤول بارز في القصر الملكي استعمت إليه «القدس العربي»، يمكن إعداد ملف كامل حول انتهاكات إسرائيلية مباشرة ومؤكدة لبنود ونصوص اتفاقية السلام.
لا تبدأ القصة عند نوايا ضم الأغوار وشمال البحر الميت. ولا تنتهي عند سلسلة مشاريع تنموية سلمية سياسية إقليمية يؤجلها الإسرائيلي. ورغم ذلك، يتحدث الرئيس محمود عباس باسترخاء في عمان عن استعداده لكونفدرالية مع الأردن لاحقاً للدولة الفلسطينية.
ورغم ذلك، تجد اتفاقية وادي عربة من يحاول حمايتها في عمان بدلالة التحرك المتأخر لحماية اتفاقية الغاز. يحصل ذلك رغم أن إسرائيل اليمينية قوضت سلطة الرئيس عباس على الأرض، وهي نفسها إسرائيل التي يخطب إعلامها وينبح يمينها اليوم ضد الملك عبد الله الثاني لأنه تجرأ على رفض تمديد عقد استئجار الباقورة ورفض التلويح بضم الأغوار.
يريد الإسرائيليون معاقبة ملك الأردن ليس فقط على موقفه تجاه الثوابت في القضية الفلسطينية أو عملية السلام، بل على دور خلف الستارة لبلاده من الواضح أنه يؤثر في اليمين الإسرائيلي ويعيق بعض طموحاته ومشاريعه.
عبر الهاتف، وعلى صلة بالانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وصلت مستويات المناكفة إلى تواصل استشاري بين عمان وأعضاء عرب في الكنيست.
وفي عمان أيضاً وأمام «القدس العربي» كان عضو الكنيست الدكتور طلب الصانع يتحدث عن «تآكل» إسرائيل من الداخل بالتوازي مع إجراءات أردنية، وهي نغمة تتوازى مع ما تقوله أوساط القرار الأردني عن علاقة مستقرة مع الدولة العميقة في إسرائيل توازي العلاقة المأزومة مع برنامج اليمين الإسرائيلي. لذلك، يبدو أن ما يحصل يؤسس لمفارقة؛ فإسرائيل المتجهة تماماً نحو اليمين شعبياً وحكومياً على الأقل بدأت تنقض على القصر الملكي الأردني وتحاول التسويق لسيناريو الوطن البديل تحت منطق تقويض وادي عربة، والأردن بالمقابل ينشط فجأة للحفاظ على وادي عربة.
السؤال يصبح: لماذا يحصل ذلك؟
عند محاولة تحصيل إجابة، يمكن القفز إلى بعض الاستنتاجات والتعامل مع بعض الوقائع، فعمان اليوم مؤمنة بضرورة سحب الذرائع من الجانب الإسرائيلي التي يمكن أن تستخدم لإخراج اتفاقية وادي عربة عن سكتها باعتبارها – وإن كانت هشة وضعيفة – الضمانة اليتيمة للحد من توسع اليمين الإسرائيلي شرقاً. واليمين إياه يبدو مكتظاً ومتورماً بالتفاصيل وهو بصورة ما قاله الأردنيون بخصوص ملف القدس والمسجد الأقصى للمستشار الأمريكي جاريد كوشنر بمنطق أن الوصاية الهاشمية تتعامل مع المقدسات باعتبارها «وديعة مقدسة» وأن الأردن لا يقبل أي مساس بهذا المنطق.
قيل للأمريكيين هنا وبوضوح بأن تغيير حجم وشكل هذه الوديعة يعني بأن عمان لا تريدها، وأن الأمريكي والإسرائيلي بإمكانه نقل الوديعة إلى أي جهة في حال العبث بأي تفاصيل. هذا موقف جريء ومتقدم، يفهم اليمين الإسرائيلي أنه يربك خططه ويعزل الأردن عن أي عملية ابتزاز أو تلويح له علاقة بالقدس والوصاية تحديداً.
ذلك تفصيل صغير من معركة أشرس تدور خلف الكواليس، وبعدما اكتشف الجميع بأن صلابة الموقف الأردني في التعامل مع الوديعة في القدس دون أي تغيير عليها يمكن أن يدفع باتجاه مشكلات معقدة إذا رفضت عمان الخضوع للابتزاز، لذلك يبدو الشغب الإسرائيلي على الوصاية الأردنية يومياً.
لكن الجديد في المشهد حصرياً هو أن اتفاقية وادي عربة التي يحتقرها الشعب الأردني ويرفضها أصبحت مجدداً ولأول مرة تحت وطأة الابتزاز الإسرائيلي.
والصورة تقول اليوم بأن تل أبيب اليمينة بدأت تعبث بالاتفاقية وتهاجم ملك الأردن شخصياً، فيما عمان تدرك وقائع ما يجري ولا تريد أن تكون الطرف الذي يعبث باتفاقية السلام إلى أن تتغير الأحوال.
عن - «القدس العربي»