في شوارع طرابلس الغرب وبنغازي والبيضا وغيرها من المدن والقرى الليبية يسيل كثير من الدم الأحمر من عروق الأبرياء الليبيين في العالم الثالث من أجل أن تسيل مليون وستمائة برميل من الدم الأسود يوميا في عروق المنعمين المترفين الأوروبيين والأمريكيين في العالم الأول.
على فكرة, العالم الأول والثاني والثالث هي تصنيفات أطلقوها هم وأقنعونا بها وبتنا نرددها كثوابت مسلم بها, وبعد أن كانت تعني المعسكرات الفكرية والعسكرية العالمية, أصبحت تدل على التقدم والتمدن أو التخلف والجمود, وربما حتى على التصنيف الإنساني والفرق في جيناته ومدى قربه أو بعده عن القرود والواويات.
والصحيح أنهم في الغرب قد أخذوا الفرصة ونحن لم نعطاها, نهبونا أولا مستعمرين مباشرين, ونهبونا ثانيا مستعمرين بالوكالة, وما يحدث في ليبيا المختار اليوم هو أبشع الأمثلة القائمة في عالمنا العربي على وكلاء الاستعمار ومصاصي الدم الأسود لحساب أقزام ومرضى نفسيين زرعوهم هم بيننا بعد تهيئتهم كما السرطانات الخبيثة التي لا ترحم.
طائرة هنا وملهى هناك وثورة هنا وثوار هناك كانت كافية لنهب قوت الشعب الليبي بالمليارات, والباقي ينهبه معمر وسيف الإسلام وخميس وجمعة وسبت وغيرهم من أيام الأسبوع, هذه الآلهة الصغيرة والفراعين التي لا تموت ولا تحاسب.
وهذه المناكفات الغربية الرقيقة بين الغرب ومعمره كانت ذرا للرماد في العيون اقنع الكثيرين من العرب بأن العقيد هو الثائر الأول والمناضل الأول والمخلص الأكبر, بعد أن أقنعونا بأنه تلميذ \"القومجي\" الأول أبا خالد رحمه الله. وحتى لو وصلت تلك المناكفات إلى حد تمثيلية قصف جوي أمريكي لما سمي بيت العقيد, فإنه ومثل كل مرة وبعد دفع الفاتورة من دم الشعب الليبي, تعود الأمور إلى مجاريها, وسمن على عسل ويا دار ما دخلك شر. لا بل يتم استرضاء الطفل المدلل, ويتقاطر رجال الصف الأول الغربي للحج إلى خيمته في طرابلس, ويسمح له هو يضرب أوتادها في العواصم الأوروبية مع جيش جرار من عذراوات الحرس الشخصي.
أما الآن وقد ارتفت الستارة عن المشهد الأخير للمسرحية فقد بات لزاما على الباقين من زعمائنا وكلاء الغرب وظل الله على الأرض أن يدركوا أن من زرعهم سوف يتغاضى عن قلعهم أن صارت شعوبهم إلى ذلك, وأن الغرب لا يستطيع على المدى المتوسط والبعيد أن ينصر الطواغيت على الشعوب لأنه بذلك سوف يفقد المصداقية ويستعدي شعوبه.
ربما ذهب بلسكوني, مشاكس القاصرات ورئيس وزراء ايطاليا التي سامحها العقيد بالاعتذار والتعويض عن فظائع \"غراتسياني\" وجيوشه في ليبيا الثورة, بعيدا في محاولة إنقاذ الحليف, ابن اليهودية من نهايته المحتمة, إلا انه وفي النهاية لن يستطع النجاح في مهمته ولن يتمادى أكثر من ذلك في المحاولة.
وكذلك البقية الباقية من عصبة \"المورالست\" الغربي الكاذب, المستفيدون من بقاء الطاغية على عرش ملك ملوك إفريقيا ونبي الصحراء وقائد ثورات العالم وقاهر الشعب الليبي الشقيق في السلطة. لن يستطيعوا إنقاذه حتى ولا بصمتهم عن فظائعه, ولا بازدواجية المعايير وتذبذب المبادئ لديهم. وسوف يصمتون مجددا وينتظرون إلى أن ينفذ العقيد تهديده بحرق نفط ليبيا إن لم تكن مفاتيحه بيده, ولهم في ذلك حكمة ومصدر رزق, وما زلنا نذكر ما كسبوه من إطفاء حرائق أبار الكويت النفطية.
فرعون مصر الحديثة أخذ معه سبعين مليار دولار بدل طلعته الجوية الأولى واليتيمة, بن علي ربما ادعى أن أجداده وهو قد اخرجوا الفرانسيس من تونس, استقطع الثمن من ثروات تونس بالمليارات أيضا, أما العقيد فماذا سيأخذ معه من ليبيا بدل جرح أبيه في حرب التحرير من أجداد صديقه برلسكوني بعد أن يحرقها؟
نيرون ليبيا يسب أحفاد المختار بالجرذان ويتهمهم بتعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة وهم يتلقون رصاص غدره بصدور عارية, ويدفعون ثمن الحرية غاليا من دمائهم الزكية تماما كما دفعوها أجدادهم على وقع مقولة شيخ الثوار عمر المختار \"ننتصر أو نموت\" فأي حبوب تناولها أبو سيف الإسلام وهو يحرق ليبيا ويروع أهلها؟
جمال الدويري