بقلم محمد سليمان الخوالده
بالرغم من تحفظي على اداء معظم المستشفيات الحكومية والخاصة ، لاسباب عديدة لن اتناولها الان، لكني هذه المرة سوف اكون منصفا وانقل صورة حية لما شاهدت وسمعت في ليلة قضيتها في غرفة طوارئء مستشفى (س).
في تمام الساعة التاسعة مساء من ليلة الاربعاء .. بعد التواء في كاحل قدمي اليمنى نتيجة سقوطي في احدى حفر الشارع العام توجهنا الى المستشفى (س) وبالتحديد الى غرفة الطوارىء التي أعرفها حق المعرفة متكئا على كتف اخي .. وهناك بدأت ليلتي الغير سعيدة.
بعد اجتياز المدخل الرئيسي لغرفة الطواريء ،هالني ما رأيت ..رأيت طوفان من المرضى وعدد هائل من المرافقين ..حدث ولا حرج ..ابن العم والخال والجار واالمرؤوسين في العمل ونسايبهم ، أختلطوا بالمرضى وكانوا يجلسون في مجموعات ويتحدثون ،بعضهم يقف في الممرات.. وبعضهم احتل بلا اهتمام غرفة العمليات الصغرى .. ثم إن مجموعة أخرى كانت تقبع خلف الكاونتر حيث مكان عمل الممرضين والممرضات.
سمعت صوت أحد الممرضين يناشد هذه الجموع بصوت حازم أختلط به لحن الرجاء..( لو سمحتوا...الرجاء من المرافقين اخلاء المكان حتى نتفرغ لتقديم العناية اللازمة للمرضى ،نحن نحتاج إلى مساعدتكم.. فأنتم تسببون الفوضى .. والممرضات غير قادرات على أداء عملهن..)، ويبدو أن لاحياة لمن تنادي... فهم لا يعترفون بالتعليمات ويضربون بها عرض الحائط.
المرضى من كافة الاعمار بعضهم على الاسرة وبعضهم نصف واقف وبعضهم واقف على قدميه ..حدث ولا حرج جميع الامراض تجدها..قلب..سكري.. ضغط... رئة ..مغص .. حوادث سقوط .. وحديثا حالات انتحار، جميعهم موجودين في الطوارىء ، لكن لاننسى صنف أخر من المرضى الذين هوايتهم زيارة المستشفيات ... هؤلاء المرضى يسافرون من مستشفى الى أخر حاملين ملفات شاملة تمتليء بالتقارير وصور الأشعة والتحاليل الكثيرة، التي لا تشير إلى شيء غير عادي ، يشكون من آلام لا صلة لها بأي مرض من الأمراض، فقط يذهبون إلى المشتشفيات لمجرد الإطمئنان.
نسمع صوت أنين هنا وهناك ..أعرف أن بعض هذه الانات خادعه وهو تكتيك يلجا اليه كبار السن عادة ، لجلب انتباه الممرض او الطبيب أو لشحذ همة مرافقه ، حتى يأخذ حظه من الرعاية قبل الاخرين .. وحقيقة أعذرهم على سلوكهم هذا.. ذلك أن عدد الأطباء والممرضين و الأسرة غيركافي و لايتناسب مع العدد الهائل للمرضى الموجودين في غرفة الطوارئ.
كانت غرفة الطوارىء تعج بالمرضى وانا أتجول بنظري بين هذا الطوفان البشري ..لمحت الدكتور (؟) ..شعرت بسعادة غامرة ..حتى نسيت ألم ساقي ..فقد كان زميل دراسه و صديق مقرب ..ما ان ناديت بإسمه حتى اتجه الي ..قال خير ان شاء الله ،اشرت الى قدمي ...نادى على أحد الممرضين ..وتجول بنظره في غرفة الطوارىء مخاطبا الممرض (شوف لي سرير فاضي)... وهو يعرف في قرارة نفسه أنه لاتوجد اسرة فارغة ..فأجابه الممرض على الفور للاسف لاتوجد اسرة فارغة على الاطلاق ..ثم غاب الدكتور (؟) لحظات عن نظري ،واذا به يأتي بكرسي متحرك وهناك أصوات خلفه ونظرات ترمقني بنظرة اعرفها تماما .. قلت ما هذا يا دكتور؟ ...رد علي بعدما شعرت بعجلات الكرسي تتحرك بي باتجاه غرفة الاشعة ..حتى نعمل لك بعض الصور ، قلت له قدمي ليست مكسورة ...رد علي ..يا سيدي حتى نطمئن ...قبلت على مضض ، ونحن في طريقنا الى غرفة الاشعة سألته ما سبب هذه الجموع...رد بلهجة مليئة بالاحباط
(شوفت عينك ..هذا حالنا كل ليلة ...بعض الممرضين قدّم إستقالته.. وأنا أيضاً سوف افعل ذلك قريبا).
بعد لحظات خرج الدكتور (؟) من غرفة الاشعة مبتسما ...الحمد الله صورة الاشعة تشير الى ان ساقك سليمة ...فقط نضع لك (باندج) ونصرف لك شرحة ريفانين.
شكرته كثيرا ...وحمدت الله كثيرا ..ليس لان ساقي ليست مكسورة بل لان معاناتي تلك الليلة انتهت ، ولساني يردد الله يكون بعون الناس.
Drkmal_38@yahoo.com