تفاجأت الأوساط الهندسية بدعوة ما يسمى (التجمع المهني الديمقراطي) للاعتصام داخل مقر ومكاتب نقابة المهندسين للمطالبة بإصلاحات داخلية وكشف الحقيقة في بعض القضايا المختلف عليها ولكي تكون النقابة للجميع على حد قول البيان الصادر عن هذا التجمع.
وقد رد مكتب المهندسين في حزب الوحدة الشعبية على هذا البيان واعتبر الدعوة للاعتصام ممارسة غير مجدية ويحمل إساءة لنقابة المهندسين، ودعا إلى الحوار والعقلانية والابتعاد عن الحسابات والأجندات الخاصة.
والمتأمل للبيانين المتعارضين ربما يقدّر أنهما تعبير عن صراع سياسي متجذر بين حزب الشعب الديمقراطي (حشد) المنتمي فكريا للجبهة الديمقراطية وحزب الوحدة الشعبية (وحدة) المنتمي فكريا للجبهة الشعبية، أو أنه إفراز واقعي للتنافس السياسي المحموم بين التيار الإسلامي المسيطر على نقابة المهندسين "القائمة البيضاء" وبين أنصار (فتح) المسيطرين على هيئة المكاتب الهندسية مع حلفائهم من القوميين والبعثيين والشيوعيين واليساريين "القائمة الخضراء".
وإذا أردنا مناقشة الأسباب والمبررات التي أوردها بيان الداعين للاعتصام بدءا من اتهامهم لمجلس النقابة بتعطيل عمل لجنة التمثيل النسبي، فيتضح بأن الهدف هو انتخابي بحت لتقاسم كعكة السلطة والنفوذ داخل النقابة، ولما كان التيار المعارض يمثل تقريبا 30% من أصوات المهندسين فإن العمل بالتمثيل النسبي يعني دخول أعداد لا بأس بها إلى مجلس النقابة ومجالس الشعب الهندسية والفروع واللجان، مما يفقد هذه المجاميع المتطوعة العاملة انسجامها كفريق واحد متفاهم ومتجانس ومتسامح، وفي ذلك إضرار بالمصلحة العامة للمهندسين، لأنه يؤدي إلى تأجيج الصراعات في غرف صناعة القرار المغلقة وداخل البيت النقابي، مما يؤدي إلى تعطيل العمل وضعف الإنجاز كما هو الحال في مجالس نقابات مهنية أخرى.
ومن المبررات المطروحة لدى الداعين إلى الاعتصام كثرة التبرعات، وهذا يحسب لصالح النقابة لا عليها، فهو يجسد دورها في خدمة المجتمع المحلي، كما ويحقق أهدافها في التنمية الحضارية والقومية من خلال دعم الشعوب العربية والإسلامية إنسانيا، وخصوصا الشعب الفلسطيني التوأم الرازح تحت الاحتلال والحصار.
أما عن مكافآت ورواتب موظفي النقابة التي وصفها بيان المعارضين بأنها (خيالية)، فبالمقارنة مع رواتب الكفاءات الإدارية والقيادات العليا في الشركات الناجحة والمتميزة في القطاع الخاص سنجد أن هذه الرواتب عادية جدا بل أقل مما يستحق زملاؤنا في الإدارة العليا للنقابة.
وبخصوص الرحلات الخارجية التي علّق عليها بيان الداعين للاعتصام بأنها تخصص (للمؤلفة قلوبهم) فعلى العكس من ذلك‘ إذ يحتل المهندسون الخضر المعارضون لمجلس النقابة غالبية مقاعد المشاركين في هذه الرحلات درءا لنقدهم الحاد وصوتهم المرتفع ومشاغباتهم المستمرة.
ومما ذكر عن استثمار صناديق النقابة في شركات متعثرة، فهو اجتهاد مقدّر من قبل مستشارين متخصصين في الاستثمار والسوق المالي، وكلنا مطلع على الوضع الذي آلت إليه أسهم الشركات دون استثناء.
وبخصوص مكافآت رؤساء وأعضاء مجالس إدارة الشركات المنتدبين من قبل صناديق النقابة، فهي لا تعدو كونها بدل مواصلات وتحفيز للقيام بالجهد الإداري المطلوب والذي ينعكس إيجابا على الأداء المالي لهذه الشركات وعلى مساهمات النقابة فيها، وأيا كان العمل النقابي تطوعيا فالمتطوع بحاجة إلى حوافز وتكريم معنوي ومادي أحيانا.
أما عن الخلاف بين مجلس النقابة وهيئة المكاتب الهندسية فأعتقد بأن الخلاف سياسي بحت كما أسلفت في مقدمة المقال، وإلا لماذا لم تظهر هذه الخلافات عندما كان المهندس حسني أبوغيدا والمهندس خالد البوريني المنتميان سابقا للقائمة البيضاء على رأس هيئة المكاتب الهندسية؟!
وقد طالب الداعون للاعتصام في بيانهم إلى احترام العمل المؤسسي داخل النقابة مستشهدين بلجنة المهندسات التي رشحت زميلتين مهندستين لرئاسة لجنة المهندسات في اتحاد المهندسين العرب، وقد قام مجلس النقابة باختيار إحداهما وإن لم تكن حصلت على أعلى الأصوات، لأن تعيين رؤساء اللجان الاتحادية من صلاحيات مجلس النقابة ولا يتم عادة الاستئناس برأي أعضاء اللجان، علما بأن الزميلة التي اختارها المجلس هي مهندسة قديرة ولها ماض ينوف على العشرين عاما في العمل النقابي ومن أوائل من ترأس لجنة المهندسات في النقابة، ولا يضيرها أنها زوجة الأمين العام كما يردد المعترضون على تعيينها.
وبخصوص ما ذكر عن إغلاق فرع نقابة المهندسين في الزرقاء أبوابه في وجه المجتمعين من أصحاب المكاتب الهندسية المنتمين إلى القائمة الخضراء، فبغض النظر عن الأسباب الموضوعية المقنعة التي ذكرها رئيس الفرع في بيان أصدره بهذا الخصوص، فإن بعض الجيتوهات تعد مغلقة صرفا على القائمة البيضاء، مثل فرع الزرقاء والشعبة الكهربائية والشعبة الكيماوية، وأي اقتراب منها يعتبر استفزازا واحتكاكا غير مبرر.
وأخيرا ما ذكره بيان الداعين للاعتصام حول عدم الإفصاح عما توصلت إليه لجنة التحقيق في شراء النقابة أرض أم الدنانير الذي انتابته شبهات فساد، فإنني أؤكد لجميع الأطراف بأن الأدلة لو كانت متماسكة بما فيه الكفاية لما توانى مجلس النقابة لحظة واحدة عن إحالة الملف إلى القضاء.
لهذا كله فإنني أتمنى على زملائي المهندسين أن لا يعتصموا ضد نقابتهم ومجلسهم المنتخب، وإن كان لا بد فليعتصموا معها ومع مجلسها في نفس المكان والزمان، لنرى الحجم الحقيقي للمعارضين والموالين في مشهد ديمقراطي وحضاري فريد.
المهندس هشام عبد الفتاح الخريسات