نتمنى أن تكون الإدارة الأميركية وبعض الأنظمة قد استوعبوا معاني انتفاضتي الجماهير العربية في تونس ومصر.
لأن عدم استيعابها سيتسبب بانتفاضات أشد غلظة وقسوة وألما ًومرارة ,وحينها لا ينفعهم الندم والحسرة.
ولكن على ما يبدوا مازال البعض عاجزاً عن استيعاب حقيقة ما حصل, وما حملته هذه الثورات والانتفاضات من حقائق ومعاني والتي لم يهضمها البعض,ومازا حائراً بشأنها .والتي نسرد بعضاً منها لعل من يستفيد منها:
· فالشعوب وجيل الشباب في كل مكان,باتوا على قناعة,بأن الإدارات الأميركية مهما غيرت شكلها أو لونها أو رموزها,فإن سياساتها المعادية للشعوب لا تتغير.وخاصة في الأمور والنواحي التالية:
1. دعم وحماية كل نظام وحاكم وتيار يخضعون لها, وينفذون أملاءتها ومطالبها.وستبقى الداعم لهم والمدافع عنهم بكل ما أوتيت من قوة,وستتغاضى عن جورهم وفسادهم وإرهابهم. وتتستر على جرائم الحرب التي يرتكبونها. ولكي لا تضبط بالجرم المشهود كشريك لهم في جورهم وإرهابهم وجرائمهم وفسادهم . تسارع بالتخلي عنهم حين تنتفض عليهم شعوبهم.وحينها تعتبر أن دورهم قد انتهى. وصلاحياتهم باتت منتهية. مكتفية بما قد حققوه لها ولمصالح بلادها ولإسرائيل من مكاسب.لتدفع بوكلائها الجدد كي يتابعون السير على نفس الدرب والمنحى.
2. وأن المحبب إلى قلوب الإدارات الأمريكية من الحكام والأنظمة والزعماء والتيارات والأحزاب, هو من أكثر تطوعاً لخدمة مصالح المشروع الصهيوني _الأميركي في بلاده ومنطقته أكثر فأكثر.
3. وأن لا قيمة لكل القيم الأخلاقية والإنسانية وحقوق الإنسان وقيم الحرية والديمقراطية لدى أنظمة الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية طالما مصالحهم ومصالح إسرائيل تكتنز وتَصِحْ وتبرأ وتتعافى. فالمشروع الصهيوني بنظرهم مرهون تحقيقه وبقاءه على قيد الحياة طالما حالات التجزئة والتخلف سائدة,وظواهر الفساد والاستبداد سارية.ومحاولات الإصلاح والتغيير والتطوير والتنمية متعثرة. وطالما دعايتهم بأن العرب مجرد ظاهرة صوتية تجد لها آذان صاغية.
4. والإدارة الأميركية تريد من كل نظام تضربه رياح الانتفاضة أن يكون أكثر إجراما وإرهاباً ودموية وشراسة ممن سبقه من النظام الذي سقط وتهاوى.كي تكبح هذه الانتفاضات وتدفع بجماهيرها إلى حالة من الرعب والخزف واليأس كي لا تسقط باقي المنظومة من الأنظمة المتحالفة معها.
· وجيل الشباب في العالم بات على قناعة بأنهم ليسوا رجال الغد والمستقبل فقط.بل هم رجال الحاضر. ومن الحاضر عليهم أن ينطلقوا لبناء مستقبل بلادهم المشرق والواعد والأفضل.
· والجماهير أرادت بانتفاضاتها العفوية التعبير عن طموحها بتحقيق مجتمع حر ومتحرر من كل القيود.وإقامة حكم صالح وقادر على التصدي لكل المشاكل والمعضلات التي تواجه أمتها وأوطانها.
· وجيل الشباب لم ولن يعر أي اهتمام لكل ما صدر ويصدر عن واشنطن من تصريحات.لأنه على قناعة بأنها للاستهلاك المحلي,والضحك على اللحى, ولخدمة المصالح الأميركية والإسرائيلية فقط.
· وبعض الأنظمة اعتقدت أن الأمن والأمان الذي تعيشه ليس منةً من الله, أو فضلاً من شعوبها.وإنما كان بفضل سطوة أجهزتها الأمنية, والدعم الأميركي لها. وبعض الأجهزة الأمنية فضلت أسلوب القمع والإجرام والإرهاب والقهر على غيره من أساليب التحبب والتقرب إلى شعوبها.وراحت تجد العزة بعلاقاتها الوثيقة بالموساد وال CIA.وخير مثال علاقات اللواء عمر سليمان الوطيدة معهما.
· وجيل الشباب يعتبر أن لا أمل يرجى من الإدارات الأميركية وبعض الحكومات الأوروبية الذين يتبجحون بالكلام فقط, على أنهم حماة لقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. بينما هم في السر السند والحليف لكل طاغية وفاسد.طالما يرتبط بعلاقات علنية أو سرية مع إسرائيل, و يضمن لهم مصالحها ومصالحهم.ويلتزم موقف العداء من قوى المقاومة الوطنية وقوى الصمود والممانعة.
· وأن بعض الحكومات الأوروبية والإدارات الأميركية يعادون كل نظام مهما ألتزم بمعايير قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.طالما هو يأبى الانصياع لمطالب وشروط قوى الصهيونية والاستعمار وإسرائيل.أو يدعم قوى المقاومة الوطنية.أو يتصدى للمخططات العدوانية التي تستهدف أمته ووطنه.
· والجماهير باتت تعتبر أن الأنظمة المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية باتت واهنة ومتهالكة من كثرة ما جرتها لحروب عبثية غطستها فيها بالوحل والقذارة.وباتت هذه الأنظمة الكليتوقراطية (القمع والسرقة والفساد) لا تتقن سوى لغة العنف في خطابها لشعبها.وإرهابه بأجهزتها الأمنية والقمعية.
· وجيل الشباب بات على قناعة بأن المعارضة العربية متخلفة عن حركة الجماهير. وباتت بمعظمها طوابير لفاسدون ومجرمون وقتلة ولصوص وخونة وعملاء,نبذتهم الأنظمة. فحشروا أنفسهم في صفوف وقيادات المعارضة.ولذلك لم تفلح هذه المعارضات بتنظيم ذاتها,والتحرك قيد أنملة.
· والجماهير ومعها جيل الشباب ينطلقون من مسلمات سيتخذونها المهماز لتحركاتهم.والتي تعتبر:
1. أن الشعوب هي مصدر الشرعية.وهي الأقوى.وصبرها وإن طال فإنما تمهل ولا تهمل ولا تنسى.
2. وأن أسباب الثورة يصنعها النظام بنفسه.وذلك حين لا يكون للنظام من منتج سوى خيانة أمته وجماهير شعبه والفقر والبؤس والفاقة والبطالة والفساد والبيروقراطية.أو يعقد قران زواج متعة بينه وبين رجال المال والإعمال, لينجب من زواجه هذا محدثي نعمة وثروة.همهم الإفساد و الفساد فقط. وقد أعترف الجواسيس في لبنان بدور الموساد في تصنيعهم كرجال مال وأعمال وثروة. وصحيفة هآرتس الإسرائيلية ذكرت بأن رجل الأعمال وأمين التنظيم في الحزب الوطني وعضو لجنة سياساته أحمد عز هو من أصول أسرية إسرائيلية.فوالده هو الجنرال المتقاعد عبد العزيز عز الذي تزوج من إسرائيلية عام 1956م .وأنجب منها أحمد عز المسجل في سجل النفوس المصرية,ومسجل في إسرائيل تحت أسم مستعار لأنه إسرائيلي وفق القانون الإسرائيلي.
3. وأن القمع والفساد والجور هم من ينخرون أنظمة الطغيان والفساد كما ينخر السوس الخشب.ولذلك فمجرد هزة لهذا الأنظمة في الوقت المناسب تتصدع وتتهاوى وتتحطم.
4. وأن الأحزاب والتيارات, التي لا تستند لأرث حضاري وتاريخ نضالي وأهداف واضحة,تجسد مطالب وأحلام الجماهير والأمة,أو تلك التي تؤسس بقرار من السلطة,أو باتفاق بين رجال المال والثروة وبعض زعماء المافيا والحروب لا قيمة لها, وليس لها من معنى.وستنهار بسرعة مدهشة.
5. وإن إيجاد الحلول للمشكلات التي يعاني منها وطن أو بلد.إنما هي من مسؤولية أبناء الوطن.ولا تستجدى من الغير,أو تستورد من دول وجهات أخرى.أو من خلف البحار والمحيطات.
6. وأن أي امة أو شعب,ما لم يمتلك زمام أمره,ويلقي برداء اللامبالاة عن كاهله,ويتعالى عن قطريته, وينبذ مصالح البعض الشخصية والمقيتة, ويتفانى أبنائه في العمل,لن يأخذ بأسباب القوة والمنعة.
7. وأن الثورات والانتفاضات هي من توصد كل باب في وجه الفتن التي يريد الأعداء إيقاد نارها.
8. وأن هذه الانتفاضات تسقط عنف ما بعد الحرب الباردة,وتبين للعالم مدى إيمان الجماهير العربية بالعزة القومية.وتعيد تعريف الثقافة السياسية لمنظومة معسكر الحياد الايجابي.
9. وأن هذه الانتفاضات تفضح زيف الادعاء بأن توسيع نطاق الحرية يعني بالضرورة قبول الهيمنة الغربية.وأن أنظمة الاستبداد تؤمن بالنيوليبرالية. والتي ثالوثها النفط والإسلاموفوبيا وإسرائيل.
10. وأن مواقف من سقط من الأنظمة كانت سوداء أو رمادية من الغزو الأمريكي للعراق, والعدوان الإسرائيلي على لبنان وقطاع غزة,وحصار قطاع غزة.وكذلك من قوى الصمود والمقاومة الوطنية.وتساهلهم في تقاسم مياه النيل.وصمتهم على المخططات العدوانية والإرهابية التي تستهدف الأمة العربية وتاريخها وتراثها. إضافة إلى تسليمهم بانفصال السودان سلفاً.إضافة إلى ما فضحته وثائق ويكيليكس بشأنهم والتي كانت مضامينها مخزية,وعارٌ على هذه الأنظمة.
يخطأ من يظن أن سبب انتفاضات وثورات الجماهير العربية , إنما مردها لهذه الأسباب والمسببات التالية:
· أنها ليست أكثر من احتجاج شعبي على نظام علماني لا سند له في الثقافة والتاريخ لهذه الشعوب.أو أنها إنما هي ثورة أو انتفاضة لمن هم أقل أو أكثر علمانية ضد نظام علماني سائد في ذاك البلد.
· أو أن سببها تنامي ظواهر الفقر والفاقة والعوز والبطالة والجور فقط.ولا علاقة لها بأي أمر آخر.
· أو أنها رد على انسداد الأفق السياسي بوجه الشباب.بسبب شيوع الاستبداد وتفشي الفساد.
· أو أنها ذات صبغة دينية أو يسارية هدفها بناء دول ومجتمعات تقوم على أساس ديني,أو ماركسي.
· أو أن محتواها اجتماعي ومعاشي واقتصادي فقط ولا تحمل بين ثناياها محتوى قومي وتحرري .
· أو أنها أعمال شغب فقط,لأن بعض الأنظمة الفاسدة عزلت الجماهير عن قيم الحرية والديمقراطية.
· أو أن هذه الثورات ليست سوى ردود أفعال يائسة لشعوب في نزاعها الأخير قبل خروج الروح.
· أو أن المشاركون فيها ليسو سوى مجموعة مدونين ونشطاء لا علاقة لهم بالشارع والمجتمع.
· أو أن الدافع لها هو نيل المرتب والخبز فقط.وبتلبيتها تتمكن الأنظمة من إعادة السيطرة.
· أو سرقة جهود جماهير الانتفاضات والثورات,و تجيّرها لمواقع الفيس بوك و تويتر و غوغل.
· أو أن شباب الانتفاضة غير موئدلج عقائدياً ويفتقد لقيادة تاريخية تقوده.ولذلك استعاض عن الإيديولوجيا بالتكنولوجيا.واستعاض عن القيادة التاريخية بالقيادة الميدانية أو الجماعية.ففي هذه الانتفاضات هتفت الأصوات بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ورفعت صوره وشعاراته.
· أو أن يظن البعض أن سياسة تجويع المواطنين من قبل بعض الأنظمة بالتعاون والتنسيق مع الإدارة الأميركية لصرف المواطنين عن همومهم القومية والوطنية, إلى تأمين لقمة عيشهم وهمومهم المعاشية كي يوهن ويضعف الحس الوطني والقومي فيكفل لإسرائيل الراحة, قد زاد عن حده فأشعل ذلك الانتفاضة أو الثورة. والقضاء على الانتفاضة إنما يكون بالرشوة,والتلويح بالأوراق المالية التي سيتصرف للمواطنين مجدداً.كي تطفأ جذوة الغضب ا.وتعود الجماهير من جديد إلى أقفاصها.
· أو انه يمكن الالتفاف أو التحايل على هذه الثورات والانتفاضات لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. وهذا ما يفكر به جهابذة الإدارة الأمريكية.ناسين أن مثل هذه المحاولات ستحرق اليابس والأخضر.
حتى الآن يبدو أن الإدارة الأميركية وباقي أنظمة الفساد لم يستوعبوا دروس تونس ومصر وليبيا. فما زلنا نسمع من قال بأن زين العابدين بن علي ليس برجل.وإنما هو جبان وقليل خبرة .عالج انتفاضة شعبه بخطاباته التي أسرف فيها بتنازلاته.مما شجع المتظاهرين وألهب حماسهم , ومن ثم آثر الهرب. وحين تضربه تسو نامي الانتفاضة سنجده أوهن من بن علي, وأكثر لصوصية وإرهاباً وإجراماً وعمالة وفساداً.وكل يوم نسمع من يستبق الانتفاضة عليه ليعلن بأنه ليس كسابقيه. ولكن حين تضربه أعاصيرها نجده أكثر حمقاً وإرهاباً وإجراما وفساداً من سابقيه. وخاصة حين يجد أبواب دول العالم جميعها بوجهه موصدة.فيندفع حباً في البقاء ليكون أكثر وحشية وهمجية من أعتا الوحوش الضارية. كي يحافظ على حياته وعرشه وكرشه وسرقاته التي نهبها بعشرات المليارات من اليورو والدولار, والسبائك الذهبية والمجوهرات التي كنزها لتكوى بها جباهه. والإدارة الأمريكية التي تعتبر نفسها أنها من تصنع الجغرافيا,وأنها من تسبك بعض النظم السياسية.وتنفذ الانقلابات العسكرية والسياسية على كل من يتمرد عليها .أو من يفشل في حماية مصالحها, أو انتهت وظيفته ومدة صلاحياته, بعد أن استثمرته حتى النهاية. صدمت بهذه الانتفاضات والثورات لأنهم باغتوها, وأخذوها على حين غرة. لأنها جاءت من خارج النص, ومن خارج المسارات التي رسمتها بدقة.ولذلك وجدناها تستقل من أجل دعم هذه الأنظمة ,بكل ما لديها من فنون وخبرة وقوة. وحين فشلت في إنقاذهم وتعويمهم وبقائهم, راح تطل علينا لتقول, بأن هذه الانتفاضات أو الثورات إنما هي بناتها.وأنها هي من حملت بهم وعانت من حملهم. وأنها هي من دافعت عنهم بالنواجذ والمخالب. وتوعز لعملائها ليطلوا علينا بمواقفهم الجديدة .كما طل علينا تيار المستقبل قي لبنان. ليسرق هذه الثورات والانتفاضات. حين أعلن بأنه صاحب الفضل, وهو من كان السباق ,وصاحب الأسبقية والفضل في تفجير هذه المظاهرات المليونية.متناسياً علاقات زعمائه الوطيدة بهذه الأنظمة.وبتشابه بنيانه مع بنيانهم من حيث الاعتماد على الأقارب والعمة وأولاد العم والعمة والخالة.
ولكن من ينظر إلى وجوه رموزه الإدارة الأميركية .أو يدقق في تصريحاتهم ومواقفهم المتضاربة. يستشعر حجم الحزن والحسرة والألم اللواتي تنتابهم بهذا المصاب الأليم, وهذه الخسارة الفادحة. ويشعر بغيظهم وتوترهم. لكون سوريا وقوى الصمود والممانعة وقوى المقاومة الوطنية, ووسائط الإعلام النزيه والوطني والحر كفضائيات الجديد والمنار والجزيرة, هي من كانت المنتصرة والرابحة, وراياتهم هي الخفاقة.بينما عملاء الإدارة الأمريكية ووسائط إعلامهم, كصحف الحياة والشرق الأوسط والنهار والمستقبل وفضائية العربية حصدوا الخزي والعار. وخسروا ثقة واحترام الجماهير العربية وشعوب العالم. لأنهم ضبطوا من الجماهير وهم يدعمون هذه الأنظمة.
فرق شاسع بين رئيس وطني.يدافع عن قضايا أمته ووطنه,ويدعم قوى المقاومة الوطنية.ويحظى بمحبة أمته وجماهير شعبه وشعوب العالم.ويرون فيه الأمل.وبين رئيس أو زعيم,يرهن نفسه ووطنه للإدارة الأميركية,وينصاع لأوامرها,وينفذ طلباتها.ويقرب الفاسدين إليه,ويسرق شعبه. فينتفض شعبه عليه,ويصرخ فيه: تنحى و أرحل.
الخميس:24/2/2011م العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم
البريد الإلكتروني: burhanb45@yahoo.com