الكاتب : فيصل تايه
يطلّ علينا هذه الأيام .. كما في كل عام ... عيد المعلم ..الذي يصادف في 25 شباط .. حاملاً سلال الخير والعطاء .. والمحبة... فتحلو الكلمة وينطلق القلم وتغدو قاعات الدرس منابر فكر وعلم .. فرسانها معلمون مخلصون أشاوس .. آمنوا برسالتهم مبدأً وعقيدة .. وانتهجوا فكراً إنسانيا عميقا مستمد من معلم البشرية \"محمد بن عبد الله.. \" - صلوات الله وسلامه عليه - فنستذكر قوله :
\" إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النمل في جحرها وحتى الحوت في جوف البحر ليصلون على معلم الناس الخير \"
فلابد لنا من وقفة إجلال واحترام .. ووفاء وإخلاص .. لهؤلاء الرسل الذين بذلوا الغالي والنفيس للقيام بدورهم في سبيل المعرفة وبناء العقول الناشئة .. ليرسوا فيها القيم الحسنة .. كيف لا .. فمن خلالهم تعلمنا الأخلاق .. وأدركنا الكثير من دروس الحياة .. تعلمنا معنى العطاء الذي لا ينضب .. منهم ترسخت في نفوسنا أجمل القيم النبيلة .. ففرشوا لنا الطريق بالعلم والمعرفة التي تدوم .. وتدوم.
يطلّ علينا كل عام هذا العيد .. فماذا أعددنا للمعلم فيه ؟ سوى .. أن نقف بإجلال واحترام نردّد الأمثال ونتغنى بالقصائد ونقول ..من علمني حرفاً كنت له عبداً......
هو حقاً أهل للتقدير ويستحق التبجيل...هو أرفع من الكلمات وأكبر من القصائد .... فهو الذي نذر نفسه لبناء الإنسان والارتقاء به إلى مدارج الحضارة والتقدم ... فمنكم أيها المعلمون تقتبس الأجيال روح المواطنة الحقة الصالحة لأنكم الأغلى .. فأنتم البناة الحقيقيون لأنكم تبنون الإنسان... والإنسان هو غاية الحياة .. ومنطقها... فهل من أجر يوازي جهد المعلم في بناء المجتمع ... بناء وطن التقدم والمعرفة .. أولئك هم البناة الحقيقيون... فأية كلمات توازي جهده ؟ وأي حديث يمنحه حقه الحقيقي ؟.. كل الكلمات تصغر أمام عظيم صنيعه وكل الحروف تقف عاجزة عن وصف جميل أفعاله .. فلك أيها المعلم.. أيها البنّاء الحقيقي للإنسان ... إليك في عيدك كل حب ..كل تقدير.. إليك في عيدك كل ورود بلادي من دحنونها إلى سوسنها .. لأنك علمتنا كيف نحيا ويبقى عيدك عيد الوطن.. فهنيئاً لك عيدك ..
ماذا نقول حقا في ذكرى المعلم : نريد حقاً وبكل إصرار تغيير النظرة النمطية للمعلم .. تلك النظرة التي لا تليق بمقامه .. والتي باتت مترسخة في أفكار الناس وأذهانهم وعقولهم .. نريد بالفعل أن نعيد صورته المشرقة التي تليق بمكانته .. ونريد أن نبرز دوره الحقيقي في إعداد النشئ .. رجال المستقبل ... وخاصة أولياء الأمور والطلاب وتوعيتهم بأهمية احترام المعلم وتقديره.
أنا أجد أن حق المعلم أن يشعر بالأمان بمنحه الثقة والرفعة .. والتعاون معه على تحقيق رسالته السامية ورفع روحه المعنوية وتقدير جهوده... ولكي يتحقق ذلك لا بد من وضع نظام يحفظ للمعلم كرامته من الاعتداءات المختلفة ..
أما ومن جانب مهني فللمعلم الحق أن يؤهل تأهيلاً يمكِّنه من أداء رسالته التربوية باقتدار فلا يتم ذلك إلا من خلال التدريب المستمر وتحديث المناهج وإكسابه المهارات التربوية والتعليمية المناسبة ... فليس هناك معلم ضعيف ومعلم قوي .. فرفع مستوى أدائه وظيفياً ومهنياً وتطويره من خلال الدورات التدريبية اللازمة العالية المستوى والتي تلبي طموحه وتجعله واثقاً من عطائه .. وإطلاعه على كل جديد في مجال التربية والتعليم وتدريبه على استخدام الطرق الحديثة والتقنيات التربوية الميسِّرة لعملية التعليم ... ومتابعته في ذلك متابعة جادة خاصة من خلال القائمين على الإشراف التربوي .. وكذلك تشجيعه على البحث العلمي والتجريب في مجال الإعداد، وطرائق التدريس، والإدارة الصفية و التقويم...الخ. ولن يتحقق ذلك إلا عن طريق توفير كوادر تربوية تدريبية مؤهلة وخبيرة تمكنه من النمو والارتقاء ..
إذا لا بد من وضع السياسات التي تحقق ذلك وبكل شفافية ووضوح .. وان نبتعد عن المغالاة في الدورات لأجل الدورات .. والكسب المادي .. مع التأكيد على تجنب وضع المدربين غير المؤهلين وغير القادرين على التدريب.. وأن نبتعد عن المحسوبية في ذلك .. وخاصة البعيدين عن المركز .. في مديريات التربية المنتشرة في شتى أنحاء وطننا الغالي .. والذين هم بحاجة إلى سياسة تقليم تربوي إثماري .. وإعادة تأهيل وإنعاش .. وليست ذلك خفية على أحد ..
كما ويجب رعاية المعلمين المتميزين والاهتمام بهم والعمل على تنمية مواهبهم وتوثيق إنجازاتهم ونشاطاتهم المتميزة في الدراسات والأبحاث وتعريف الآخرين بها. .. والابتعاد عن نسب الشيء إلي غير صاحبة والتبجح والصعود على ظهور الآخرين وعلى حساب المعلمين المتميزين المبدعين .
وكذلك لا بد من الوقوف عند نقطة غاية في الأهمية تتعلق بتحديد الأنظمة الوظيفية والجزائية المتعلقة بالمعلمين .. والخاصة بهم .. إذ أن هذه الفئة من موظفي الدولة لهم خصوصيتهم الوظيفية .. كي يعي المعلم تماما ما له وما عليه .. إذ لا بد من معالجة مشكلاتهم بأسلوب تربوي بعيدا عن التسلط والتشهير .. والذي يعمد البعض أحيانا على انتهاجه كسياسة تربوية غير لائقة وخاصة الذين يضعون اللوم أولا وآخراً على كاهل المعلم \" أعانه الله \" .. فأصبح بمثابة الشماعة التي تعلق عليها كل أخطاء السياسات التربوية الفاشلة ..
دعوني أخاطب الزملاء معشر المعلمين .. بأن نقر ونعترف .. إن هذه المهنة هي المهنة التي أحببنا و نحمد الله عليها .... فهل نستطيع العيش الكريم في هذا الزمان .. هل منحنا .. حقوقنا كمعلمين .. ومميزات تفوق الموظفين في القطاعات الأخرى تحفزنا وتشعرنا بضرورة استقرارنا الوظيفي وعدم حاجتنا إلا إلى العيش النبيل بكرامة وعزة .. الذي يضمن لنا ولأبنائنا الرفعة والتقدم..
وإلا فان الوضع سيكون خطير على الفرد والمجتمع والوطن وستفشل جميع خطط الوزارة في \"النهوض بالتعليم\" وتذهب مخططاتها أدراج الرياح إلا إذا كان القصد من وضعها فقد لنحسب على البلاد والعباد أننا معلمين .. أو لعل تغير مفهوم البعض حيال التعليم إلى القراءة والكتابة فقط .. فلنتذكر جميعاً أن التعليم يدخل في أدق التفاصيل في الحياة البشرية .. من القيم والاتجاهات السليمة .. فلنتساءل : من سيغرسها ؟؟ .. ومن سينشر ثقافة السلام والمحبة ؟؟.. وعشق الوطن ؟؟ والاعتزاز بتراثنا وثقافتنا وقيادتنا الهاشمية الفذة ؟؟
سيخسر المجتمع من حيث لا يدري القدوة الحسنة .. المعلم .. في تصرفاته وسلوكه وانتمائه وإخلاصه وتوجيهه للطلاب وإرشادهم وتقديم النصح لهم باستمرار ... فهو الأقدر على العطاء وهو المثل الحي لتلاميذه ومجتمعه.. فمن يقوم بدور القائد الواعي الذي يعرف القيم والمثل والأفكار التي تحكم سلوك المجتمع... سيخسر المجتمع تكامل رسالة المعلم مع رسالة الأسرة في التربية الحسنة لأبنائها.
بالطبع إخوتي ... المعلم هو جزء من المجتمع ... والمجتمع هو التعليم بأكمله .. بالتالي فالخسارة ستكون للكل من دون استثناء .
ويحضرني أخيرا أن أقول : يتحتم على كل طالب وطالبة النظر بعين الاحترام والإجلال والإكرام والتواضع للمعلم .. فالتواضع لشخص معلمك عز ورفعة لك .. لذا فإن حق المعلم عليك احترامه وحسن الاستماع إليه ... و الإذعان لنصائحه وتحري رضاه....
وكل عام وانتم بألف خير زملائي الكرام .. ودمتم حماة لإنسان هذا الوطن الغالي .. في ظل قيادة واعية حكيمة مدركة لحقكم في الحياة .. متمثله بشخص المعلم الأول جلاله ملك البلاد .. أدامه الله ورعاه .. وجعله نبراس خير لنا جميعاً
ودمتم سالمين
مع تحياتي
الكاتب : فيصل تايه
البريد الالكتروني : Fsltyh@yahoo.com