ممدوح أبو دلهوم
[ يعرف القذافي جيداً أن الفلسطينيين منذ نكبة 48 حتى اليوم في الداخل والشتات ومنه ليبيا الشقيقة ، يترنمون بترديد شعار الإنتفاضة الحفزوي : (يا شعبي سير سير حتى تقرير المصير) ، غير أن مفجر ثورة الفاتح من سبتمر وفور إعلان اوسلو وحيثيات مدريد نحو السلام ، قام بطرد الفلسطينيين بقرار متعجل سافر وسافل وما في الأفق آنذاك رادع من عروبة ولا وازع من دين ، وقد شبه له بوسواس من خانسه اللئيم أن ذلكم لا جدال هو الفوز العظيم ..
أما الوازع فهو منه براء إذ استبدل إسلامه بكتابه الأخضر أو نظريته الثالثة الحمقاء ، أما الرادع فمن أين وقد باد ذاك الزمن الذي ساد يوما ، حين كان ينبري له حرُ الأمة قائلاً : (إما اعتدلت وإما اعتزلت) ، أما اليوم وقد راح الطاغية الأخضر بعيداً في سحق الشعب وخراب البلاد ، فإن الليبيين يخيرونه بين مصيرين الرحيل أو الرحيل قائلين : (إما انعدمت واما انقذفت) ؟!
هل نقص باقي حكاية الطاغية الأخضر مع الذين شردهم أنذاك من الطيبين ، مع أنهم ويعلم جيداً هم بناة المجد الفاتحي القذافي بلا منازع ، حين وقفوا بانين ومعلمين جنباً إلى جنب وعلى مدى أربعة عقود وتزيد ، مع الأمين على القومية العربية المغلوبة على أمرها الجماهيري / الثورجي / العالمي / الأممي !، كما يرى هذا النشاز اللحمي الهندسي الفاتح بأمره الأخضر الديماغوجي، والذي لا ندري تحت اي معادلة سياسية ندرجه أو ضمن أي الألعاب الايديولوجية نؤدلجه ، طالما أن جميع أدبيات عباد الشمس السياسية قد رفضته بحزم ولفظته بعزم ؟!
إنه الوجع فلا من تثريب إذن على الراوي أن يقص باقي الحكياية ، ففي أعقاب أوسلو قام الرجل الأخضر بطرد الفلسطينيين ، بتركهم لمصير دراماتيكي مجهول أطلق عليه وصف الانتحار خارج الحدود ، في مواجهة لسع برد الصحراء قبل لسع أفاعيها السامة ولدغ الجوع قبل لدغ العقارب ، ما أراده بديلاً لمصير ثانٍ وانتحار آخر بمعنى وضعهم بين خيارين قسريين ، الأول الموت انتحاراً على الحدود حيث الزواحف والضواري وأجياش الجوع والعطش ، والثاني الموت انتحاراً برصاص الإسرائيلين إذ كان يعرف تماماً ، أن عودتهم إلى فلسطين لمواجهة إسرائيل هو المستحيل بعينه ..
الواقعة آنفاً كانت في مففتح التسعينات مع الفلسطينين المقيمين في ليبيا ، أما اليوم فمع الليبيين وفي العام الأول من العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ، وعليه فالمقاربةُ إذن قد باتت مبررة ومشروعة في ذات الآن ، بين العقارب والأفاعي التي كانت شفيقة بالطيبين ، إذ نجوا من الهلاك في مقابل ما أراده لهم من موت محققٍ ..
أما وجه العجب ، خلوصاً ، فلم يعد صيام رجب في المعادلة بين العدو الجاهل والصديق العاقل ، ففي جريمته مع الفلسطينيين بالأمس بالطرد والتشريد وجرائمه مع الليبيين اليوم بالتنكيل والقتل ، يسمح بتداعي شروط المعادلة آنفاً بحيث يمكن أن يصبح العدو إنساناً والصديق مجرماً ، وإلا بماذا نفسر سماح نتنياهو (عدواً !) بعودة 300 فلسطيني ، في مقابل ما يقترفه اليوم نيرون القذافي (صديقاً !) بحق الأبرياء الليبيين بعد الفلسطينيين ؟!!]
فها هو يرتع على ربوع ليبيا عمر المختار وقد أُسقط في أيدي الناس ، فلأمين الأزعم سادر في أخضرياته – وبالمناسبة هو ممن يرون الاخضر رمزاً للعزلة ! – ولا حول لاحرار ليبيا ولا طول ، فحسبهم الهتاف لنمرود زمانهم وصانع امجادهم ، وسقى الله ايام الملكية السنوسية ، او هي رحمة من عليين تهبط فيسقط كل المجانين ! نقص باقي الحكاية – ومتى تنتهي ؟! – ونعلم اننا نقض ونحن نقص مضاجع القارئ ومساحات البياض الثمينة في آن .]
Abudalhoum_m@yahoo.com