زاد الاردن الاخباري -
أربع كاميرات على الأقل من زوايا عدة يفترض أن تلتقط وتصور عملية «الاقتراع الفردية» في الانتخابات الأردنية المقبلة. عملية رصد إلكترونية متطورة لكل صوت ولكل مراحل عملية الفرز وإعلان الفائزين. ويرافق ذلك «نظام إلكتروني» مساند ورديف لحالات الطوارئ. تلك كانت المستجدات الأساسية التي يفترض أن تشكل علامة فارقة عندما يتعلق الأمر بـ»تعزيز منظومة النزاهة» الانتخابية في المملكة، وهي تستعد لحسم ملف الانتخابات المقبلة.
تبدو الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات مفتوحة على كل خيارات تعزيز منظومة النزاهة تقنياً وإدارياً، ويقوم طاقمها برئاسة الدكتور خالد كلالدة ومجلس المفوضين بجهود ملموسة لإنقاذ سمعة العملية الانتخابية، وإن كانت مهمة صعبة للغاية. لكن، في الجانب الإداري ثمة تمويل أجنبي لسلسلة برامج، وهو تمويل يتضمن توجيهاً يتفق مع معايير الهيئة في تعزيز إجراءات الشفافية، ويحاول مساعدة السلطات في تحسين منسوب النزاهة أولاً، وزيادة نسبة المشاركة في عملية الانتخاب، وهي المسألة التي كانت تعبر دوماً عن التحدي الأبرز.
يعمل الكلالدة وطاقمه خلف الأضواء أملاً في إنجاز لائحة تعليمات للإشراف الانتخابي ترقى إلى معايير ومستويات عالمية، ورغم الإقرار الرسمي الضمني بحصول «أخطاء في الماضي» إلا أن النشاط خلف الستارة واضح في هذا الاتجاه، وإن كانت الهيئات الدولية التي تتولى بعض برامج التدريب وتعزيز النزاهة أصبحت لاعباً في صناعة المشهد دون أن ترغب الحكومة بذلك.
ولأن العمل يتركز على السياق التقني والإداري تمهيداً لواحدة من الانتخابات الأكثر إثارة للجدل قبل نهاية العام 2020، إلا أن مراقبين يرون في وجود كاميرات ورقابة إلكترونية ونظام تقني صلب ومستحكم، عناصرَ إضافية مهمة تجعل مهمة العبث بالنتائج أو بعمليات الفرز وعدّ الأصوات صعبة للغاية، إن لم تكن مستحيلة. وقد نُقل عن طاقم معني ومختص رأي بهذا الخصوص في بعض الاجتماعات المغلقة.
ويعني ذلك سياسياً وإجرائياً أن عمليات التدخل الرسمي – إن سمح لها لأي سبب بالولادة أصلاً- لديها في ضوء المنظومة الرقابية المستحدثة اليوم هوامش حركة فقط قبل صناديق الاقتراع وخارج قاعات الانتخاب وبين صفوف المرشحين والناخبين فقط. ويشمل ذلك منع مرشحين من التقدم أصلاً، أو تقليص فرصة بعضهم، أو اللعب على أوتار المنافسات المحلية جهوياً وعشائرياً ومناطقياً، أو العودة مجدداً لمسلسل «الحشوات» في القوائم، أو العمد لتحشيد الأصوات أو تفتيها حسب الهوى الرسمي، وهو دور كانت الحكومات في الماضي تلعبه بالتوازي أيضاً مع اللعب بالبطاقات الانتخابية وأحياناً بعد إحصاء الأصوات وفقاً للعديد من تقارير الانتهاكات.
وهنا حصرياً تكون الهيئة قد عزلت جميع المراحل التي تشرف عليها ليس فقط عن التدخل، بل عن احتمالات وفرضيات أي تدخل أيضاً. وتلك خطوة متقدمة في مجال الحفاظ على النزاهة، تحتاج حتى تنضج وتكون منتجة وطنياً إلى منع تدخل أي سلطات رسمية في الشارع الانتخابي، وإلى إرادة سياسية تمنح فرصة عادلة لجميع المرشحين الذين يقبل القانون ترشيحهم. وتحتاج أيضاً غطاء سياسياً مرجعياً يحول دون التفريط بهيبة القانون والتعليمات في مرحلة ما قبل يوم الاقتراع، كما كان يحصل في الماضي.
في المقابل، توفر تماماً، وعبر عدة اجتماعات سيادية مغلقة، الغطاء اللازم لاستهداف «المال السياسي» في الانتخابات المقبلة، ولتوجيه ضربات حقيقية لدوره ونفوذه في الانتخابات المقبلة. ولم يعرف المراقبون بعد ما إذا كان الغطاء السياسي قد صدر بعد لتوضيح منسوب التعاطي البيروقراطي مع ملف الانتخابات، خصوصاً في ظل المؤشرات التي تنمو بوجود خبير انتخابات استثنائي في الحكومة هو وزير الداخلية الحالي سلامة حماد، الذي قد يعبر بموقعه للحكومة التالية أو حتى قد يكون من بين المرشحين لرئاسة حكومة تشرف على الملف الانتخابي عموماً.
لكن بالنسبة لرئيس الوزراء الحالي الدكتور عمر الرزاز، لا يحظى ملف الانتخابات بأي ترتيب خاص أو أولوية. وما نقل مؤخراً فقط عن الرزاز هو إشارته إلى أن وجود كتلة معارضة قوية تحمل بصمة الإخوان المسلمين في البرلمان الأردني خطوة تعارضها أطراف عدة، أهمها دول الخليج العربي، وبصيغة قد تلحق أضراراً بعلاقات وتحالفات المنطقة.
دون تلك الإشارة توقف الرزاز عن إظهار الحماسة لتعديل قانون الانتخاب، وأسقط من حساباته وثيقة التنمية السياسية التي اقترحها وزير سابق في حكومته. ولم يعد – نتحدث عن الرزاز – يطمح بـ»بصمة حقيقية» في المشهد الانتخابي أو في مسار الإصلاح السياسي كما كان يلمح في الماضي وسط قناعة الناشط الإسلامي البارز الشيخ زكي بني ارشيد بعدم وجود أي جهة رسمية ترغب في الاستماع لعبارة «إصلاح سياسي» الآن.القدس العربي