زاد الاردن الاخباري -
يقول الكاتب الانجليزي الساخر برنارد شو عن الشخص الذي يُكثر من الثرثرة الفارغة ويبالغ في نقد الآخر دون أدلة قاطعة أو براهين ساطعة :ـ " لا يشوه سمعتك إلا من تمنى أن يكون مثلك أو يأخذ موقعك وفشل ". ما ينطبق على الفرد ينطبق على الأمة التي تترك العمل و تغرق بالجدل،تكون عواقبها وخيمة ونهايتها فجائعية، الدليل الواقعي تلك المعركة التاريخية المفصلية التي ذهبت مثلاً وعبرة بين الناس.عندما كان محمد الفاتح القائد التركي يدك اسوارالقسطنطينة،كان ولاة أمرها وعلية القوم في داخلها يتجادلون حول جنس الملائكة هل هم ذكور أم إناث ؟! وتناسوا أن مدينتهم المحصنة على وشك السقوط ، سقطت المدينة وذهب نقاش اهلها " الجدل البيزنطي" مثلاً في العقم ومضيعة الوقت.
مقدمة لا بد منها للتعقيب على خطابات النواب العنترية،المكررة ،المملة الساعية لكسب الشعبوبة على حساب الحقيقة ومصلحة الوطن. لا يخفى على احد أن الخطابات كانت موجهة بالدرجة الأولى للشارع الأردني لكسب التأييد بعد سلسلة الإخفاقات التي مُني بها المجلس،وتقدمة للانتخابات المقبلة وغزل للأجهزة المعنية، إنهم ما زالوا الأوفياء لسماع الآلو والإصغاء المسجات.
المفاجأة أن الشارع الأردني عرف اللعبة وعاقب نوابه بعدم متابعة خطاباتهم أو تتبع أخبارهم،وعاملهم كأنهم خارج التغطية وتركهم يصيحون،يهددون، يتوعدون لكن لا احد يصغي اليهم ولا يأخذ بوعودهم على محمل الجد، وان سمعهم مثلي بحكم موقعي الصحفي كمراقب من باب الاضطرار،فهو كالمضطر إلى أكل لحم الميتة، "مكره أخاك لا بطل".
معظم الخطابات كانت إنشائية بامتياز وكأنها منسوخة عن بعضها.أهم ما فيها أنها لا جديد فيها،ولا إبداع،ولا معالجة، ولا فكرة تحرك الاقتصاد أو تعالج المديونية أو تفتح باباً لامتصاص البطالة. كان الغرض الأول والأخير من مسرحية خطابات الموازنة الاستعراضية،تعجيز الطرف الآخر والانتقاص من مكانة الحكومة واعضائها كأن ثاراً بين النواب والرئيس الرزاز حتى وصلت الأمور لعائلته وهذا خروج عن ادب النقاش وضعف في الشخص الذي اخفق في اظهار البينة فقام بالصراخ والولولة.
خطابات عنترية جاءت على عكس المأمول منها.لم تناقش أرقام الموازنة ولم تحدد أبوابها المختلفة وطرائق صرفها ولم تأخذ بالحسبان وزن الدولة الأردنية أن ميزانيتها محدودة، ولا قوة اقتصادها المنهك ولا معاناة خزينتها التي تصفر فيها الريح بل تحدث النواب مع الرئيس بلهجة تهديديه غير لائقة وكأنه يملك مفاتيح خزائن بروناي وميزانية الصين العظمى وصادرات اليابان وألمانيا معا تصب في جيبةً.
يضاف لكل ما سلف،ان خطابات السادة النواب تجاوزت وقتها المحدد دون معنى ولا جدوى،ولا نسمع سوى طقطقة مثل تكسير الجوز الفاضي أو تحضير عجة على نار شمعة مطفأة، الخطابات ضحك على اللحى ومضيعة للوقت وتجريب حناجر أيها الأعلى والأقوى، فكانت الصبغة الغالبة على نقاشات الموازنة إنها ليست الا " جق حكي" و"علك كلام فاضي" تفتقر الى أي فكرة إبداعية أو طرحاً قابلاً للتبني وتفتقر الى أي اقتراح عملي يشكل رافعة مالية يمكن الاستناد عليه او تبنيه.
وقبل ان تكتمل زفة البرلمان في المهرجان الخطابي الباهت والضعيف ،افسد الفرحة النيابية وكشف الغطاء عن الطنجرة لنرى ان الطبخة مجرد طبخة حصى حيث قال الرئيس حرفياً :ـ إن إلغاء مقترح مشروع الغاز الفلسطيني المسروق من قبل دولة العدوان والاحتلال لن يجري العمل به في هذه الدورة الانتخابية ولا خلال عمر الحكومة الحالي....ما يعني ان اللعبة مستمرة وان ما يجري ليس سوى ذرالرماد في العيون،وستمتلئ جرارنا بالغاز العربي المنهوب وستزكم أنوفنا رائحته ورغم ذلك سندفع فاتورة باهظة تقدر بحوالي عشر مليارات دولار على مدار عدة سنوات من جيب المواطن الأردني لتصب في خزينة العدوان الصهيوني.
الأشد إيلاما ذلك التحدي الصارخ من الصحفي الإسرائيلي أيدي كوهين الذي قال نصاً :ـ أقول لكم خاوة عن حكومة الرزاز ومجلس النواب والأعيان ان الغاز الإسرائيلي سيصل الأردن....فماذا يقول عناترة وحكماء النواب وفصحاء الوزراء.كنا ننتظر ان يكون المجلس أكثر شجاعة ويخرج عن دور الحكواتي ليكون رقابياً ويعبر عن إرادة الشعب الحقيقية
لا غرابة ان نرى كل موازنات الحكومات السابقة قد مرت رغم ضجيج الخطابات الرنانة،وهذا ما يطرح موضوع الإصلاح السياسي على الطاولة وعلى قمة الأولويات قانون انتخابات عصري وأحزاب جديدة فاعلة لا دكاكين سياسية فارغة من البضائع ولا يرتادها الا موظفوها لاستلام الرواتب. فالإصلاح السياسي الشامل مطلب شعبي يتماهى مع مطلب القيادة حيث ركز جلالة الملك على بناء المؤسسات السياسية الحديثة ودعا الشباب للانخراط بالأحزاب لتتناغم القمة مع القاعدة لبناء أردني عصري جديد بعيدا عن الجعجعة بلا طحن ولا عجين. والغناء بالطاحون لاهدف منه سوى التعريض بالرئيس وفريقه والانتقاص من دور الحكومة من دون ثمرة ترجى سوى المناكفة واهدار الوقت وتشويه السمعة والتعريض بالوطن ، كل ذلك للبحث عن شعبوية رخيصة والتنمر على الوزراء أمام الشاشة طمعا بالاستعراض أمام الناخبين ورفع العتب عنه أمام سخط الشارع على فضيحة الغاز خاصة ان المجلس يلفظ أنفاسه الأخيرة كما يقول المثل الأردني " ضربة مقفي " والعجيب ان يقوم النواب أنفسهم في واسترضاء الوزراء خلف الكواليس لتمرير مصالحهم الشخصية.
النواب يظنون ان الناس غافلون عن تقاعسهم والسؤال الذي يؤرقهم ويكشف ضعفهم أين كانوا ولماذا اغفلوا دورهم الرقابي في متابعة قضية الغاز المسروق التي كانت تجري منذ عدة شهور ولم ينبش نائب ببنت شفة ولكان وفر علينا هذه المليارات والسقوط بهذه الحفرة التي تحتاج الى معجزة للخلاص منها.
السؤال الاخطر الذي صمت عليه النواب وهو يرتقي الى حد المُساءلة لماذا لم يطلب النواب تحويل القضية برمتها الى مكافحة الفساد والطلب بكشف أبطالها وتحويلهم للمحاكمة اذ ان هذه القضية اشد خطراً على الأمن الوطني من فضائح الدخان،الفوسفات،التحول الاقتصادي،الخصخصة.....أسئلة تظل معلقة في رقبة المجلس النيابي الحالي حتى تأتي الأجوبة الشافية