في وقت تحرم فيه كل قوانين العالم المتحضر أية صعوبات أو حواجز تقف في وجه الإنسان نحو حصوله على حقه في التعليم وعلى نقيض من سياسات التعليم العالي في كل دول العالم كافة وحتى الأكثر منها تخلفا ، تتميز حكوماتنا ونظامنا التعليمي والتعليم العالي تحديدا في الأردن بمنهج إبداعي لا مثيل له في بناء الحواجز والعوائق التي تحول دون مواصلة شبابنا تعليمهم الجامعي وذلك بإتباع سياسات غريبة وعجيبة تفضي إلى أن التعليم مقصور على الفئات المقتدرة من جهة وعلى ذوي المنح النخبوية من جهة أخرى .
ففي ثمانينات القرن الماضي وتمشيا مع ارتفاع غلاء المعيشة وانتهاء الفورة الاقتصادية التي عاشتها بلادنا في مرحلة السبعينات ومنتصف الثمانينات وما نتج عنه من زيادة قواعد الفقر وضعف إمكانات الطبقة المتوسطة في تغطية نفقات تعليم أبنائهم فقد ارتفعت تكلفة الدراسة الجامعية في مختلف الجامعات الرسمية واقتصرت منذ ذلك الحين على الطبقات المقتدرة والحاصلين على المنح الاستثنائية لبعض الفئات والتي لا تشكل أكثر من 10 % من الشباب الراغب بالتعليم وحرم منها الآلاف من بقية شبابنا ، ورغم انحدار الطبقة المتوسطة نحو الطبقة الأدنى واتساع قاعدة الطبقة الفقيرة فلا زالت العوائق حاضرة في طريق الشباب كالارتفاع الجنوني لتكلفة الدراسة وما يعترضها من شروط تعجيزية اخرى مؤشرا واضحا على تلك العوائق .
فالتعليم العالي المتعلق بالدراسات العليا في بلادما له شجون اخرى ، فقد أقرت الحكومات السابقة إلغاء نظام برنامج الدبلوم العالي في مختلف الجامعات الاردنية حتى لذوي المعدلات الجيدة الطامحين بمواصلة دراساتهم العليا لمحدودية عدد المقبولين في مستوى الماجستير لكل تخصص في جامعاتنا ، وأصدرت كذلك قرارات ظالمة مجحفة بحرمان الطلبة من مواصلة تعليمهم في الجامعات العربية ذات السمعة الطيبة في دمشق او العراق او مصر او السودان او لبنان حينما ألغت اعتماد شهادات الطلبة الدارسين في تلك الجامعات على نظام الدراسة عن بعد ( المراسلة ) وإلزام الطالب بالإقامة وإنفاق الأموال اللازمة للحد من أعداد الملتحقين بتلك البرامج ، فلا هي اتاحت لهم الدراسة في وطنهم ولا سمحت لهم الدراسة في الخارج بما يناسب ظروفهم وامكاناتهم ، والأغرب بل والأعجب والانكى من كل ذلك صدور تعليمات القبول ببرنامج الدراسات العليا لمستويات الماجستير والدكتوراه إتقان الطالب لإحدى اللغات الأجنبية بمعدل جيد كشرط قبول وليس تخرج في خطوة تعد الأولى والفريدة على مستوى العالم تنفرد بها سياسات التعليم العالي في بلادنا للحد من التحاق الطلبة ببرامج الدراسات العليا ، فتوقف حلم الطلبة عن إكمال دراساتهم العليا في الأردن وعدم مقدرة الغالبية العظمى تغطية نفقات دراسته وإقامته في الخارج !! فنجحت تلك السياسات التدميرية والتمييزية غير الإنسانية من تخفيض أعداد الطلبة الأردنيين الملتحقين بالدراسات العليا .
لا يتعلق حق التعليم كما يريده آو يفكر به ساستنا المخالفون للدستور هنا وحقوق الانسان في التعليم بالمطلب الوظيفي المناسب للشهادة ، فحق البشر في التعليم يختلف عن حقهم في العمل ، ورغم أن حق التعليم بات الآن يوصف على أنه ينتمي في الواقع إلى مجموعة الحقوق الأساسية للإنسان . فقد بات حرمانه من هذا الحق في بلادنا يشكل انتقاصا لإنسانيته بكل المعاني ، وهو أمر لم يدركه أو يتداركه وزراء التعليم العالي المتكالبون على وزارتنا حتى الآن والذين يبدعون بطرق لا إنسانية كيفية خطيرة تنتقص من حقوق البشر بوضعهم العراقيل في وجه الشباب الراغب بمتابعة تعليمه العالي اذ انهم أغلقوا كل المنافذ المتاحة للتعليم والتي يستفيد منها كل شباب العالم باستثناء شباب الأردن وبكل أسف ، فحق التعليم ضمنه الدستور الأردني إن كان وزراء التعليم قد اطلعوا أصلا على مواد الدستور الذي يتخطوه وخالفوه بقراراتهم تلك ، فكل الحواجز التي أقاموها للحد من التعليم العالي بكل أشكاله وطرقه ليست إلا أنانية مفرطة وفذلكة برجوازية مغايرة لواقع مجتمعنا النامي الساع إلى التنمية وبناء قدرات الشباب وتمكينهم العلمي والعملي ، فلا زالت دول عظمى تمنح الطلبة حق الدراسة عن بعد ومنها الدراسة الالكترونية في البيت دونما حاجة للسفر والإنفاق ، ففي الوقت الذي تبذل دول العالم جهودا جبارة لتذليل الصعوبات أمام شبابها للالتحاق في التعليم فأن حكوماتنا تبذل الجهد المغاير لزيادة الصعوبات ووضع العراقيل في وجه الشباب واقتصار التعليم على أبناء الذوات والمتنفذين فقط ليعودوا لقيادة تلك المؤسسات والوزارات وإبعاد الرعاة عنها !! ، فسياسة التوريث جارية على قدم وساق لم ولن يوقفها احد .
ان كان الحراك الشعبي الذي يقوده الشباب ينادي بالاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي فأنه لا بد ان يشمل اصلاحا لسياسات العليم العالي ومراجعة السياسات المجحفة بحق شبابنا الطامح في مواصلة تعليمه العالي بالكيفية التي تناسب ظروفهم وقدراتهم ، فهل سيشتمل برامج الحكومة على تقييم وتقويم تلك السياسات كما نادى بها جلالة الملك في كتاب التكليف السامي لازالة الحواجز امام شبابنا الطامح في مواصلة تعليمه الجامعي من حيث تكلفة الدراسية وزيادة اعداد المنح والبعثات وازالة الحواجز الاخرى ! ام ان الوضع دوما يتحرك باتجاه أخر مغاير حتى لحقوق الانسان ومناشدة الشباب لتغيير تلك السياسات التي حرمتهم من مواصلة تعليمهم الجامعي !!