زاد الاردن الاخباري -
كتب : بسام البدارين - ليس من الحكمة على الإطلاق تجاهل أو الادعاء بتجاهل الحالة الجدلية الفوضوية التي تتوسع وتنمو هذه الأيام وسط النخبة الأردنية في سياق التفاعل والتعاطي أو ما يسميه المركز الوطني للأزمات الاستجابة التكتيكية للموجة العاتية التي تحمل اسم صفقة القرن. الوضع في الداخل الأردني معقد والجميع برسم مراكمة الأسئلة والغياب القسري للأجوبة.
حتى لا نظلم أنفسنا كأردنيين لا بد من القول بأن الموقف الملكي جريء ومتقدم والموقف الرسمي يمكن البناء عليه بالرغم من وجود توازنات قد تكون مريبة وعبارات غامضة والحاح على التمسك بالثوابت.
عمليا وسياسيا لا يملك الأردن إضفاء أي شرعية على أي ترتيب خارج سياق مصالحه المباشرة.. تلك أقرب صيغة لجدع الأنف الذي يعطل وظيفة بقية أجزاء الوجه ثم الرأس ولاحقا الجسد. لكن عدم الموافقة والاجتهاد في الوقوف ضد شرعنة الترتيبات الأمريكية الهزلية شيء والتصدي والمجابهة والاستعداد شيء آخر تماما.
ثمة أسئلة عديدة بحاجة ملحة لأجوبة.
لسنا هنا بصدد استعراضها فهي تمس بالروح المعنوية للأردنيين ولا ينبغي لتلك الأسئلة أن تتحول لبوابة تشكيك في موقف معلن ومكرر لا يفيد معه التشكيك أصلا.
لكن بعض تلك الأسئلة يحتاج فعلا لأجوبة عملية تتعدى الخطاب وحلاوة اللسان وتتجه بعمق أكثر نحو تمكين الرواية الرسمية في ذهن وعقل المجتمع.
مثلا السؤال التالي : لماذا لا تتحدث السلطة اليوم مع الناس وتبلغهم بصورة تفصيلية تمنع الهواجس والخيال والفبركات والشائعات بماهية الاجراءات التي ستتخذها ليس ضد صفقة القرن فتلك مهمة قد تكون مستحيلة وفوق الطاقة والإمكانات، ولم تكن ضمن سياق الحفاظ على المصالح والثوابت والتصدي تحت عنوان عزل هذه الصفقة عن العبث في العمق الأردني.
السؤال الثاني مهم أيضا وأعتقد أنه يحتاج لإجابة سريعة وفعالة: مع كل التقدير والامتنان للحراك الملكي النشط في كل اتجاهات دول العالم.. كيف تتوقع الحكومة أن تجابه صفقة القرن بخاصرة داخلية رخوة جدا قوامها مؤسسات تتراجع وأسئلة فساد بلا جواب وترهل إداري وانتخابات مشكوك فيها مسبقا وحكومة ضعيفة وبرلمان أصبح عبئا على الجميع ؟.
تم سحق الأحزاب السياسية بغلاظة ووضوح.. أجهضت النقابات المهنية وأرهقت.. استهدفت كل الروايات والتجمعات المنهجية في المعارضة الوطنية.. استبدلت الطبقة السياسية ويغيب الزعماء الوطنيون والأدوات بائسة جدا والوضع العام مختل والاقتصاد يترنح والحلقات الوسيطة خاملة أو متكلسة والعاملون في مواقع القرار اليوم عبء على النظام والدولة وليس العكس.
كيف يمكن مواجهة القادم وهو شيء بالتحديد وعلى الأرجح بوضع داخلي هش بهذا النوع ؟
حضرت شخصيا سلسلة طويلة من الاجتماعات الخائفة القلقة على البلد حكومة وشعبا منذ أعلن ترامب ونتنياهو صفقتهما المسرحية. واضح تماما أن الأردنيين حائرون وفي حالة قلق ويطرحون من الأسئلة أكثر من أي مداخلات. بعض هذه الاجتماعات والتي حضرتها شخصيا فيها كل أصناف المجتمع بمن في ذلك وطنيون مخلصون ورجال دولة ورموز في الولاء غير المسموم.. جنرالات شباب تقاعدوا للتو ووزراء وأعيان وسفراء عاملون.
كل هؤلاء لديهم رسالة واحدة موحدة أنقلها بأمانة لصاحب القرار المركزي : لقد حان وقت الإصلاح الحقيقي والتحول الدستوري وقد حانت لحظة التعامل مع الحقيقة وتغيير قواعد اللعبة والموقف لا يحتمل التأجيل أو الإرجاء أو التسويف أو المماطلة لأن على المحك الوطني الأردني اليوم وليس الدولة أو الأشخاص. الجميع بخطر… هذه رسالة أنقلها أيضا بأمانة.
مفتاح الواجب والفعل والعمل اليوم وباختصار شديد الابتعاد قدر الإمكان عن التشخيص والتحليل والتركيز على السؤال التالي : ما الذي ينبغي فعله للقيام بالواجب ومواجهة التحديات ؟.
أرى شخصيا بأن المفتاح إياه مرتبط حصريا وبدون تفاصيل بإقناع صاحب القرار المرجعي بعكس المعادلة التي تقول بأن كلفة الاصلاح والتغيير «أكبر بكثير من كلفة بقاء الأمور كما هي».
هذه المعادلة ينبغي أن تتغير عبر الإقناع والاقتراب من القيادة وبهدوء حيث أن الإصلاح خصوصا في الجزء السياسي منه بات مطلبا له علاقة بالبقاء والصمود اليوم فعلى المحك ليس مصالح الشعب الأردني فقط بل الوطن نفسه ومؤسساته وعلى المحك مشروع واضح يخدم فرية الوطن البديل، ونظامنا ومؤسسة العرش يستحقان وقفة حقيقية اليوم.
صعب جدا مواجهة التحديات المرحلية بدون حكومة حقيقية بولاية عامة وقوية وبدون برلمان حقيقي وانتخابات نزيهة وتحصين الجبهة الداخلية وتمكين الأردنيين من المشاركة بالمسؤولية وحماية مؤسساتهم ووطنهم.
واقتراحي المحدد أن يتقدم هذا الاجتماع بموقف موحد يقنع صاحب القرار بأن وقت الإصلاح بقواعد جديدة للعبة قد حان ولم يعد ترفيا.
«القدس العربي»