الكثيرون قالوا عبر منابر مختلفة: أعطوا حكومتنا فرصة لتنفذ وعودها بالإصلاح. والمنطق يقول ذلك أيضاً. طلبات كثيرة انهالت من كل صوب بخصوص أمور مختلفة، منها ما هو فعلاً بمكانه ومنها ما هو ليس بواقعي أو عملي. تمت الإستجابة لكثير من الطلبات وتم الوعد بالمزيد من الإصلاحات. من المنطقي الآن أن نعود إلى بيوتنا وننتظر لأن الإصلاح ليس كبسة زر. لست بصدد تلميع صورة الحكومة وصف الكلام، لست من هؤلاء. أنا مواطنة عادية (وأقل من عادية بشحطة كمان) عندي رأي وأتمنى إيصاله لإخواني وأخواتي ممن خرجوا أو يريدون الخروج في مظاهرات.
لماذا نسمح للإعلام العربي والغربي أن يربط الأوضاع في الأردن بالأوضاع في مصر وتونس وليبيا واليمن؟ لماذا نسمح بأن نسمع اسم الأردن في نشرات الأخبار مع أسماء بلاد وضعها مأساوي وبنفس التوقيت؟ من يقرأ خبر (مظاهرات في ليبيا والأردن واليمن) على الشريط الإخباري أو على الإنترنت يظن أننا نعاني مثلهم ويظن أن هناك فعلاً اضطرابات ومظاهرات وفوضى كما في تلك البلاد. لماذا نرى مقالاً على السي إن إن يقول (الاضرابات في المنطقة: دولة وراء دولة) وتذكر مظاهرات الجمعة الأردنية في نص المقال؟ لا أحد ينكر أن هناك أمور كثيرة تستوجب العمل والإصلاح لكننا مع قلة مواردنا لا نقارن بغيرنا. فلماذا نسمح أن نرى علم الأردن مع مجموعة أعلام عربية في تغطية إخبارية حول الاضطرابات في المنطقة؟ هذا المنظر الذي رأيناه على إحدى القنوات العربية المعروفة هو سكين في صدر كل أردني يغار على بلده.
لكن هناك أشخاص تظاهروا وقد يتظاهرون مرة أخرى غير معنيين بالتأثير السلبي لاستمرار التظاهر على اقتصادنا وصورتنا أمام العالم، وإليهم هذه الملاحظة: في الأسبوع الماضي رفعت لافتات مخزية وانتشرت صورها على مواقع عربية وحتى أجنبية مع الترجمة. إحدى هذه اللافتات تقول (لا لقمع الحريات). قمع يا ناس؟ كلمة قمع كبيرة ومؤذية وتعني المنع باستخدام القوة. سقف الحريات في الأردن في السنوات الأخيرة وصل لمرحلة غير مسبوقة، من اعتصامات ومدونات وصحافة الكترونية ومقابلات ومحاضرات ومناشير عبر الإنترنت وصلت أحياناً لدرجة التمادي والتطاول أيضاً للأسف. الأمن يوزع عصير بالمظاهرات (عشان اللي بنبح صوته يرد يصحصح) فأين القمع؟ هناك أشخاص ينتقدون بقسوة ودولتنا تحمي سلامتهم وحياتهم. كل من أراد أن يقول شيئاً سواء بحق أو بغير حق خرج وتكلم بالصوت العالي ولم يتم "قمع" أي أحد. من يرغب بحريات أكبر فيا حبذا لو يسمي الأمور بمسمياتها ويقول مثلاً: نحو مزيد من الحريات، مثلاً. أما لا لقمع الحريات فهي كبيرة وليست بمكانها.
لافتة أخرى رفعت الجمعة الماضي أوجه رسالة لمن فكر بها ولمن طبعها وللفتاة الأردنية التي حملتها. هذه اللافتة أيضاً انتشرت على الانترنت وتقول (في مصر بلطجية، في ليبيا مرتزقة، في الأردن زعران). يا عيب! ما حصل قبل أسبوعين كان حادثة منفردة قام بها أشخاص خرجوا لأسباب تخصهم وقد انتقدهم الجميع والحكومة أولهم. فهل يصح تشبيه (طوشة) في الأردن بوضع البلطجية على الجمال والمرتزقة المسلحين؟ كلنا يعلم من استأجر البلطجية ومن يستأجر الآن المرتزقة لينكلوا بشعوبهم. كيف نسمح لضمائرنا بالافتراء وتشويه صورة الأردن برفع لافتة كهذه؟ من يرفع لافتة كهذه ينسف مصداقيته هو أولاً أمام باقي المواطنين قبل أن يشوّه صورة بلده أمام الغريب.
مصمم تطلع مع أن المنطق يقول لك اصبر؟ يا أخي على الأقل تمسك بالمصداقية باللافتات والشعارات التي ترفعها، اختر كلماتك بعناية بدون مبالغات وتشويه للواقع. قد يشكو إنسان لابن عمه أو صديقه من مشكلة تواجهه في بيته لكن من المستحيل أن يتبلّى على أهله ويشوّه سمعتهم مهما أحس بالظلم. بلدنا بيتنا وأهلنا وأمنا وأبونا. فلنعبّر عن رأينا عند الضرورة ولكن بهدوء وصدق ونظام واحترام وبدون تشويه صورة بيتنا وأهلنا بما لا يمت للواقع بصلة. أتمنى أن تصل رسالتي لا للكبار بل للشباب الذي يتحمس بلا وعي وبنية طيبة، أقول اتقوا الله في بلدكم، كونوا منصفين.
زينه ابراهيم