زاد الاردن الاخباري -
كتب : نضال منصور - في الوقت الذي يدور نقاش مُحتدم في الأردن حول آلياته وخطته لمواجهة خطة السلام الأميركية المعروفة بـ "صفقة القرن"، يثور سؤال آخر ممزوج بطعم القلق إن كان النظام الأردني سيتعرض للمعاقبة بسبب موقفه الرافض والمُحرض ضد "صفقة القرن" على المستوى العربي والإقليمي والدولي.
حتى الآن لا توجد إجابات رسمية مُعلنة عن خطة الأردن للتصدي لـ "صفقة القرن" أكثر من تجاهلها وعدم التعامل معها، والاتكاء على الرفض الفلسطيني الصريح لإسقاطها وإفشالها، ومحاولة تقديم وإظهار المجموعة العربية بموقف واحد مُصر على مُبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية.
المخاوف الأردنية من العقوبات عبر عنها بشكل صريح رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة؛ حين أعلن أن الأردن سيتعرض للحصار، وسيدفع ثمنا غاليا لمواقفه، وعلى الناس أن تكون مُستعدة لذلك.
ولكن هذا التحذير يجد مُخالفين له يروْن أن الإدارة الأميركية حتى تحت ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب ـ الأكثر اندفاعا لتأييد ومُساندة إسرائيل ـ لن تُقدم على خطوات فعلية لمُعاقبة الأردن أو عزله.
أصحاب هذا الرأي يقدمون شروحات ومُبررات كثيرة لاعتقادهم أن الأردن لن يُحشر في الزاوية، وستبقى العلاقات مع واشنطن مُستقرة حتى وإن أغضب موقف الأردن الطاقم الذي يُدير ملف "صفقة القرن" وعلى رأسهم كبير مستشاري البيت الأبيض جاريد كوشنير.
خضع الأردن من قبل لعقوبات قاسية حين عارض الحرب والتدخل الأميركي والدولي لتحرير الكويت عام 1990، بعد أن احتلها الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، ففي ذلك الوقت قرر الرئيس جورج بوش الأب وقف المساعدات الأميركية لعمّان، وتزامن ذلك الموقف مع قرار الدول الخليجية بوقف كل المساعدات للأردن، وصنفت النظام الأردني آنذاك باعتباره من "دول الضد"، ورغم كل محاولات الراحل الملك الحسين لما يقرب العامين من فك الحصار السياسي والاقتصادي عن بلاده، إلا أنها باءت بالفشل.
وظلت عمّان المُصنفة على أنها تؤيد النظام العراقي السابق تُعاني من الهزات الارتدادية لحرب الخليج، إلى أن بدأت تباشير ما سُمي عملية السلام التي استهلت بمفاوضات مدريد والوفد الأردني الفلسطيني المُشترك عام 1992، عندها بدأ شعار "دول الضد" يخبو، وبدأ الأردن قادرا على تحقيق اختراقات دولية وإقليمية، وبدأ يستعيد دوره كلاعب أساسي في المنطقة بعد سنوات من الإقصاء والتهميش.
هل يتكرر الآن سيناريو الحصار للأردن؟ هل تذهب الإدارة الأميركية إلى مزيد من إجراءات التصعيد ضد عمّان، خاصة إذا ما فاز ترامب بالانتخابات المقبلة، وتمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو من الصمود والبقاء في المسرح السياسي بعد الانتخابات الثالثة التي ستجري بداية الشهر المقبل؟
لا تجد في أروقة الدولة الأردنية أن سيناريو التصعيد والأزمة مع واشنطن مطروح على طاولة البحث وأن حدوثه وشيك. المسؤولون الأردنيون يفسرون ما حدث بأنه لم يكن مفاجئا للإدارة الأميركية، فمنذ بدء التسريبات عن "صفقة القرن" والأردن يقدم سردية واضحة لمواقفه؛ فهو لا يُعارض حتما تقديم رؤية للسلام، لكنه لا يقبلها حين تتعارض مع مصالحه الوطنية. ويضيف هؤلاء أن هذا الخطاب قيل للرئيس ترامب وكوشنير، وهذا ما تجلى حين عارض الأردن قرار الإدارة الأميركية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها.
حين حدث ذلك لم يرتجف الأردن من تهديدات ترامب بمُعاقبة دول العالم التي صوتت ضد القرار في الجمعية العامة للأمم المُتحدة، وذهبت تهديداته بقطع المُساعدات أدراج الرياح؛ بل على العكس نجحت عمّان بتوقيع اتفاقية المساعدات بعد ذلك بزيادة واضحة للسنوات القادمة. واليوم يقدم الكونغرس موازنته لدعم الأردن بقيمة مليار و275 مليون دولار لعام 2021.
مهما غير ترامب من قواعد اللعبة السياسية في واشنطن؛ فالأردن يعلم أن أميركا في نهاية المطاف ليست ترامب والمستشارين في البيت الأبيض فقط، وما زال لعمّان مُناصرين وأصدقاء في الإدارة الأميركية، والكونغرس، وهؤلاء كانوا ومازالوا يشكلون رصيدا داعما له و"وسائد صد" تحميه من أي إجراءات عقابية مُحتملة.
لا ترى المجموعات المناصرة للأردن داخل أميركا ولا يختزل الدور الأردني بمواقفه من عملية السلام في الشرق الأوسط، وإنما تجده من أفضل الشركاء لهم في مكافحة الإرهاب، واستدعاء خطاب الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في الألفية الثانية ما زال ممكنا حين أشاد بجهود المخابرات الأردنية حتى يهنأ الشعب الأميركي باحتفالات الألفية.
إذن الخلاصة المبدئية أنه ليس سهلا على إدارة ترامب إن أرادت حشد التأييد داخل المجتمع الأميركي لحصار عمان سياسيا واقتصاديا، فما هو واضح أن مواقفه تتماشى معها الكثير من الدول في العالم والإقليم، وإن كانت واشنطن تُريد اتخاذ موقف متشدد ممن يعرقلون رؤيتها للسلام؛ فإن عليها أن تتخذ نفس الموقف ليس ضد الأردن وحده، وإنما ضد تركيا وباكستان وماليزيا على سبيل المثال لا الحصر.
ربما تُدرك واشنطن أن عمّان الأكثر قربا للسلطة الفلسطينية، والأكثر تأثيرا بمواقفها وهذا صحيح؛ ولكنها فرضية يكون لها قيمتها ووجاهتها بالطرح إن كانت السلطة الفلسطينية مُرحبة وقابلة للتعاطي مع "صفقة القرن"، والأردن هو من يضع العصي في الدولاب، وهذا ليس واقع الحال؛ فالسلطة الفلسطينية تعتبر أن الصفقة تطلق آخر رصاصة على "الحلم الفلسطيني".
ولنفترض أن الأردن رفع شعاري "لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم"، و"أهل مكة أدرى بشعابها" وأبدى مرونة في التعاطي مع الرؤية الأميركية، وسعى لتحسين شروطها فيما يتعلق بمصالحة ونقصد تحديدا القدس، واللاجئين، والحدود وتحسين الفرص والدعم الاقتصادي، وتراجع عن اللاءات التي أعلنها العاهل الأردني الملك عبد الله، فهل ستنتهي المعارضة لـ "صفقة القرن؟ وماذا سيحدث لو أصر الفلسطينيون على رفضها فهم أصحاب القرار، وهم أصحاب الأرض ولا يمكن لأي حل سياسي أن يمر دون موافقتهم وتوقيعهم.
يبدو أن من أعدوا الخطة الأميركية لم يقرؤوا حتى التاريخ القريب، فالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات رغم كل الضغوط والحصار الذي تعرض له طوال عقود رفض التوقيع حتى مات؛ ولم تجد، ولن تجد إسرائيل من يقبل بالتفريط بالحقوق الفلسطينية العادلة حتى لو مرت مئة عام أخرى، فهناك خطوط لن يستطيع أي زعيم فلسطيني مهما كان أن يتخطاها ويتجاوزها.
المُتفق عليه أن الوضع السياسي حرج، والأشهر القادمة ستُظهر جدية الإدارة الأميركية بفرض أجندة "صفقة القرن"، وهذا يزيد الجدل عن الخطوات التي يتوجب على الأردن أن يُقدم عليها استباقيا؛ حتى لا يكون الضحية على مذبح المصالح السياسية.
في الأردن تتعالى وتتزايد الأصوات المُطالبة بتحشيد الجبهة الداخلية على غرار ما حدث عام 1990 قُبيل حرب الخليج، ويُطالب سياسيون بسرعة تشكيل حكومة وطنية سياسية قادرة على مواجهة كل الاستحقاقات، وكالعادة تذهب المطالبات السياسية للحكومة إلى تنويع خياراتها الدبلوماسية، والاستدارة عن التحالف التقليدي مع أميركا، وفي هذا السياق يقول د. مروان المعشر وزير البلاط الملكي الأسبق، ووزير الخارجية والسفير الأردني الأسبق في واشنطن لسنوات "العلاقات الأميركية الأردنية على مستوى القادة تمر بأسوأ حالاتها منذ 30 عاما".
لن يقفز النظام الأردني من العربة الأميركية؛ ليجلس في العربة الروسية مثلا، أو مُناكفة واشنطن بفتح الأبواب لإيران؛ ولكنه بذات الوقت لن يستطيع التراجع عن لاءاته في رفض توطين اللاجئين، والوطن البديل، والتنازل عن عروبة القدس، فهذا الخيار لا يمكن قبوله أو السكوت عليه شعبيا.
إذن أسئلة المستقبل حائرة في عمّان، ووعود الرفاه الاقتصادي بضاعة لم ولن يشتريها الأردن، وتماسك الموقف الشعبي والعربي لم يُبدد مخاوف الحكم الهاشمي من استهداف له، وعقوبات مُحتملة لتأديبه وإجباره على التراجع عن موقفه.