في غياب السلطة التشريعية مارست الحكومة سلطتها بافراط وقوى الشد العكسي تسعى لتأجيل الانتخابات
30/1/2010
لم نكن لننتبه ونحن »نحتفل« برحيل البرلمان الخامس عشر ان غياب الدور
الرقابي والتشريعي لمجلس النواب على تواضعه سيحدث فرقا ملموساً في الحياة
العامة للبلاد.
كانت اخطاء النواب كثيرة وجلبت لهم النقمة الشعبية وعداء الصحافة التي
اتخذ النواب بحقها مواقف سلبية. وكانت صورة المجلس مشوهة وشرعيته مثلومة
جراء التدخل الرسمي في الانتخابات النيابية. كل ذلك صحيح. لكن وجودهم على
علاته كان له جوانب ايجابية عديدة لم نكن ندركها الا بعد ان فقدناها عند
غياب البرلمان, فالكثير من القرارات الأخيرة ما كانت لتمر بوجودهم.
لا اعرف مواقف الآخرين ان كانوا يوافقون على هذا الرأي أم لا, لكن من جهتي اعترف بأنني اخطأت في تقدير الموقف.
لم نكن نعلم حين صفقنا لقرار الحل ان الحكومة الجديدة تخطط لاستثمار هذا
الغياب على النحو المفرط الذي نشاهده. صحيح اننا جربنا من قبل عدم وجود
مجلس نواب وكيف استغلته الحكومة لاصدار اكثر من 200 قانون مؤقت, واعتقدنا
ان الجميع تعلم الدرس من تلك التجربة ولن نعود اليها مرة اخرى, لكننا
للأسف لم نتعلم.
قد لا يكون اصدار قوانين مؤقتة مأخذاً يسجل على حكومة الرفاعي. مع انها
اقرت عدداً لأ باس به قبل ان تعلن خطتها للعمل وتستعد لاقرار المزيد في
المرحلة المقبلة, فقد استغلت غياب النواب في مجالات اخرى لعل ابرزها تقييد
الحريات الصحافية والعامة عموما وما يحصل مع بعض الصحف والمواقع
الإلكترونية دليل على ذلك كما شرعت منذ اليوم الأول لها في الدوار الرابع
في تنفيذ اوسع عملية تغيير في قيادات الصف الأول بدون الاعلان عن معايير
او اسس واضحة لهذه العملية, وبدا للبعض ان رئيس الوزراء يسعى لتشكيل طبقة
جديدة من كبار الموظفين تدين بالولاء له ولحكومته وإن كان ذلك يخالف مبدأ
الشفافية الذي التزمت به الحكومة امام جلالة الملك الأمر الذي دفع باللجنة
التنسيقية لمؤسسات مكافحة الفساد والرقابة الى لفت انتباه الحكومة بهذا
الخصوص ودعوتها لاعتماد معايير دقيقة واسس واضحة للتعيينات والاحالات
والمناقلات. والمفارقة ان هذه المؤسسات هي اول من زارها رئيس الوزراء
وطالبها بممارسة دورها في مكافحة الفساد وعدم التهاون مع من يخرق القوانين
والانظمة. كان يفترض بالحكومة ان تقدم لوسائل الاعلام كل دعم ممكن
باعتبارها سلطة الرقابة الوحيدة المتاحة في غياب مجلس النواب لكنها بدأت
بالانقضاض عليها بمجرد ان وجه بعضها النقد لقراراتها خاصة المتعلقة منها
في التعيينات. مع ان كل ما قيل عن تجاوزات قانونية وتنفيعات للأصدقاء
والوزراء في هذه التعيينات كان صحيحا ومدعوما بالوقائع والأدلة.
الفائدة الأساسية التي كان يمكن تحقيقها من حل مجلس النواب هي التزام
الحكومة باجراء تعديل جوهري على قانون الانتخاب يفتح الباب نحو تطوير
الحياة البرلمانية والحزبية غير ان هذا لم يعد متاحا على ما يبدو فالتيار
المحافظ والمهيمن في مجلس الوزراء نجح في اجهاض آمال التغيير فما جدوى حل
»النواب« اذا?.
والأسوأ من ذلك ان هذا التيار يكن عداء شديداً للحريات الصحافية والسياسية
ويسعى الى اتخاذ التدابير الكفيلة بالحد منها, واعادة هيكلة الإعلام
الاردني وفق مفاهيم شمولية ويعارض بكل قوة أي تقدم في مجال الإصلاحات
السياسية ويبقي المجتمع اسيرا للهواجس والمخاوف بدل العمل على تجاوزها
بمقاربة وطنية اردنية للإصلاح.
لا بل ان بعض رموزه يطمعون باكثر من ذلك فهم يتحركون بفعالية للتنسيب
بتأجيل الانتخابات النيابية عاما ثانيا ليتسنى للحكومة انجاز برامجها
وخططها في غياب كلي للسلطة التشريعية.
دعت الحكومة وسائل الإعلام والسياسيين الى منحها مهلة شهرين او مئة يوم
قبل الحكم على سياساتها وقراراتها, لكنها لم تعطنا الفرصة يوما واحداً
لتفادي انتقاد قراراتها وسلوكها.
ولم نكن لنتوقع ان مجلس النواب الذي اشبعناه نقدا ورحبنا برحيله سنفتقده بهذه السرعة.0