وأخيرا آتى(الغضب الساطع )الذي تأخر كثيرا ,و كانت (فيروز ) مؤمنه بأنه (آتٍ آتٍ آتٍ..... من كل طريق آتٍ) ووعدتنا به في انه سيهزم وجه القوة ,وستمر على الأحزان وستدق أبواب القدس وتفتحها بابا بابا في أغنيتها الشهيرة ( زهرة المدائن ...( كلمات سعيد عقل و الحان الأخوين رحباني).....نعم هذا الغضب الساطع الذي انفجر فجأة( كبركان)كان خامدا, وعم أرجاء الوطن العربي الذي صحت تسميته هذه الأيام (من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر )....يبشرنا بانطلاق فجر جديد ....نمتلك فيه نحن العرب إرادتنا وحريتنا, التي خطفت وصودرت منا, ,بعد أن ظننا أننا قد تخلصنا من (الاستعمار) , حين قدم أجدادنا وإبائنا آنذاك التضحيات الجسام في سبيل ذلك الاستقلال ....,ولكن الحقيقة المرة هي أننا بقينا تحت هيمنة الاستعمار وسيطرته فعليا , طيلة العقود الماضية ...... بعد أن ترك في بعض البلدان و نصب عليها من يخدمونه ويحققون أطماعه وأهدافه......
ولقد ( هرمنا ), (نحن الكهول العرب الذين تربينا على الشعارات القومية العربية , وحلمنا بالوحدة العربية وبتحرير فلسطين , وبالحرية والديمقراطية والحياة الأفضل ) , (هرمنا في انتظار هذه اللحظة التاريخية )كما يقول ذلك الشيخ التونسي, بعد أن فقدت شعوبنا العربية الأمل والرجاء بأي تغيير قد يحصل في عالمنا العربي على المدى المنظور ,بعد أن عشنا الانكسارات والانهزامات والويلات المتلاحقة التي أصابتنا خلال القرن العشرين بكامله , وأصابنا الإحباط والشعور بالانكسار والذل والمهانة , خصوصا بعد( كامب ديفيد ) التي كبلت مصر العروبة والإسلام ,فعزلتها وأفقدتها قيادتها وريادتها للعالم العربي, وتركت بقية العرب مرتبكين حائرين ضعاف في مواجهه العدو الصهيوني الغاشم .......
لقد فقدت الشعوب العربية الأمل والرجاء بعد أن صبرت على الأنظمة التي تمارس الحكم الفردي المطلق ,وتنظر إلى شعوبها كعبيد ومماليك , وأصبحت الأوطان مزارع خاصة لهم ويتحكمون في مقدراتها ومصائرها,هذه الأنظمة كان شعارها في اضطهاد وقمع وتجويع شعوبها لسنين عديدة ,انه ( لا صوت يعلوا على صوت المعركة )......
(و استغفر الله العظيم الذي ظننا به الظنونا ,)فهؤلاء الزعماء الذين يستمرون عقودا في الحكم ولا يموتون , بل أصبحوا يمهدون لأبنائهم بالحلول مكانهم , وفي سبيل ذلك ,استخدموا مبدأ ميكافيلي ( الغاية تبرر الوسيلة )...فا أطلقوا يد الأجنبي في مقدرات بلدانهم ووضعوها مرتهنة بين يديه, ظنا منهم بأنه سيقدم لهم الدعم والمساندة عندما يوشكون على السقوط.... وأطلقوا أيدي أجهزتهم الأمنية والقمعية ,لتسوم شعوبهم سوء العذاب ,وعمدوا إلى إتباع (سياسة فرق تسد )فيقومون بزرع بذور الفتنه الطائفية والإقليمية والفئوية والجهوية بين فئات مجتمعاتهم.... ويثبت ذلك الاتهام الموجه إلى (حبيب العدلي وزير الداخلية المصري السابق في قضية تفجير الكنيسة )....وأصبحوا بعد أن ظنوا بأنهم قد سيطروا تماما على الأوضاع في بلدانهم , يمارسون الفساد وينهبون ثروات آلامه هم وأبناؤهم وزوجاتهم وأصهارهم وأتباعهم وزبانيتهم جهارا نهارا بلا خوف , ,ويزداد الوضع سوءا بعد أن تركوا قطار العولمة واقتصاد السوق يغزوا بلادنا, وسياسات البنك الدولي ,التي وضعت الكثير من الدول أيضا تحت وطأة المديونية الثقيلة,الذي تسبب في ازدياد هيمنه الدول الكبرى وفرضها لسياساتها علينا.........
لقد فقدت الشعوب العربية الأمل والرجاء أيضا ,بعد أن تسبب فساد وإفساد الزمر الحاكمة في هذه الأنظمة المزمنة إلى غياب العدالة والمساواة وغياب الديمقراطية التي أدت إلى اختلال منظومة القيم الدينية والاجتماعية في المجتمعات , فشاعت فيها ظواهر الرشوة والواسطة والمحسوبية والشللية , و إلى تزايد البطالة والفقر والجوع .......
ناهيك عن تشجيعهم ومباركتهم لعملية الغزو الفكري المقصود والمنظم في سبيل تجهيل هذه المجتمعات وفصلها عن تراثها الحضاري الثقافي والديني والتاريخي عن طريق وسائل الإعلام المختلفة وتغيير مناهج التدريس, فتسب ذلك كله إلى شعور الجماهير بالظلم والقهر الكبت ,و فاق صبرها حد التصور في تحمل أذى وفساد هذه الأنظمة.........
ورب ضارة نافعة فقد كانت عملية فصل جبل الشباب الجديد عن الماضي (التاريخ ) و محاولات طمس معالمه لديهم ومحاولات تغريبه من اجل تمييعه , والمضحك أن تلك المحاولات قد أدت إلى نتائج عكسية , لم تكن في حسبان الذين تأمروا وخططوا ونفذوا , قد أحدثت تلك المحاولات ,الفجوة التاريخية بين جيل الشباب وبين جيل الآباء المهزوم المحبط ,فكان اطلاعه على الحضارة الغربية العالمية التي جاءت إليه دون أن يضطر للذهاب إليها في عقر دارها كما فعل ( الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي ... سابقا حين رافق كمرشد بعثه علمية الى فرنسا ),عن طريق ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات , فكانت سببا مباشرا لتعلمه التفكير بحرية واستقلاليه ,ورغم أن حضارة الغرب التي فرضت على جيل الشباب تحمل في طياتها سلبيات كبيرة ,و كانت تخيفنا نحن جيل الآباء , لكن الواقع اثبت أن الجيل الجديد تعلم من الايجابيات التي كانت ا كثر فائدة ( كما فعل الطهطاوي ), فتعرف على أفكارها وممارساتها التي تقوم على الديمقراطية و الحرية ,وبدأ (يفكر ويقارن ويناقش ) أوضاع بلادة ويتعلم ويطلع, و يتأثر بالفكر التحرري الذي أدى إلى ثورات شعبية سلمية عاصرها في أوربا واسيا أدت إلى تحرر هذه الشعوب من الحكم الفردي وجعلها تعيش حياة ديمقراطيه حقيقية ,لذلك يحق لهذه الثورة العربية الكبرى أن تسمى (ثورة الفيس بوك), التي استطاع الشباب العربي إسقاط ,(انظمه )في تونس ومصر وأخري في طريقها إلى السقوط مثل ليبيا واليمن ,والبقية تجري تغيرات جوهرية وتقوم بإصلاحات سياسية ودستوريه لتفادي ما وقعت به الأنظمة الأخرى ........
لقد كانت الأوضاع والبيئة في جميع البلاد العربية مناسبة وجاهزة لإحداث أي تغيير, فمن يقرع الجرس , وكان عجيبا أن يتأخر هذا التغيير طيلة هذه السنوات الطويلة , حتى فقد الكثيرين الأمل به , وتوصلوا إلى مقوله أننا أمه استمرأت الذل والاضطهاد وحكم الأجنبي , وإن سبب تأخرنا هو ذلك الفكر الذي يجيز إمارة الاستيلاء ويأمر بإطاعة الحاكم الظالم , مخافة وقوع آلامه بالفتنة ....
لقد كان إحراق الشاب محمد البوعزيزي لنفسه احتجاجا ,هو الشرارة التي أدت انفجار الثورة في تونس, التي صارت حريقا يمتد إلى كل البلاد العربية , والملفت للنظر أن هذه الثورات الشبابية الشعبية قد حدثت فجأة دون سابق إنذار وعمت معظم البلاد العربية , ولا يوجد لها قيادات , تفاجأن بها الأنظمة وأجهزتها , وأجهزة المخابرات العالمية وحتى الأحزاب التقليدية المعارضة ........
وأحب أن أقول أننا نحن أبناء هذا البلد الصامد الصابر المرابط ( الأردن الحبيب ) مازلنا بخير , ولا نرضى بديلا للأسرة العربية الهاشمية الشريفة , وارثة النهضة العربية وثورتها الكبرى وتحمل مبادئها وأهدافها وتأخذ شرعيتها منها والتي نتوحد تحت لواءها بقيادة جلالة الملك المعظم , وأن وجودها ضرورة وطنية وسياسية للمحافظة على وحدة الوطن واستقلاله في مواجهة الأعداء الذين يتربصون بنا .......
ولكننا ندعو بصراحة إلى ضرورة إجراء إصلاحات دستورية وقانونية وسياسية ( يتفهمها ويدعوا إليها جلالة الملك المعظم ), حان وقتها , ليتمكن الشعب الأردني من المشاركة في صنع وصياغة حاضرة ومستقبلة , واختيار قياداته الحقيقية في مجلس النواب والحكومة , بدون وصاية أو تدخل أو تزوير من احد , فهذه الإصلاحات كفيلة بمحاربة الفساد بكافة أشكاله وأنواعه , وتعمل على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب , ولا يقلقني ما يحدث من مظاهرات واحتجاجات تحدث هنا وهناك بين حين وأخر , تعودنا عليها ,بعضها كانت عفوية ولها مطالب مشروعه , ولكن الذي يقلقني هو ذلك الجيل الصاعد الذي مازال على مقاعد الدراسة , الذي تظاهر وطالب بتغيير( المدير) في (مدرسة صويلح التي تمثل تنوع المجتمع الأردني )وبعض المدارس الأخرى , ماذا سيفعل هذا الجيل مستقبلا حين يكبر ولا يجد عدالة ومساواة , تمكنه من العيش بكرامه ؟؟؟, إذا لم تحدث عندنا الإصلاحات الضرورية المناسبة .......
أما بالنسبة للعنوان الذي تحمله هذه المقالة والعلاقة بين مرض العصب السابع والغضب الساطع....والذي يكون قد أثار استغراب بعض الإخوة القراء الأعزاء..... فقد كان هذا هو حقيقة ما حصل معي وأدى إلى انقطاعي عن الكتابة في الفترة السابقة ....فبعد انتصار ثورة البوعزيزي في تونس وابتداء ثورة الشعب المصري , أصبت بمرض ضعف العصب السابع في الجهة اليمنى من وجهي ...تسبب في شلل مؤقت مع التهاب شديد في العين لتلك الجهة... وقيل لي انه ربما ,قد يكون سبب المرض هو( لفحه هواء ) , ولكنني اعتقد انه بالإضافة إلى ذلك قد تكون تلك الإصابة ناتجة عن إدماني على متابعه الأخبار في الفضائيات و الانترنت لساعات طويلة , وما يصاحبها من انفعالات , يكون قد سبب لي إجهادا زائدا ,....,وأصارحكم القول بأنه ورغم إصابتي بهذا المرض , وخلال إجازتي المرضية التي استمرت شهرا كاملا, بقيت أتابع (الأخبار) بعين واحدة , بسبب الآلام الشديدة التي اشعر بها في عيني المصابة فاضطر لإغلاقها بأشرطة لاصقه للمتابعة .......
ولمن بهمه هذا الأمر فأنا الآن أتماثل للشفاء بحمد لله وشكره ,وكنت قد خضعت للعلاج في مدينه الحسين الطبية تحت إشراف أطباء وممرضي عيادة ألأذنيه وعيادة العيون ومعالجي مركز فرح للعلاج الطبيعي المتميزين ......(شاكرا لهم تلك المعاملة الإنسانية الراقية التي يعاملون بها جميع المرضى ويعالجونهم بدون تمييز... جزأهم الله سبحانه وتعالى عنا جميعا خيرا) .......و وقانا الله ووقاكم من هذا المرض المؤلم ,وادعوه سبحانه وتعالى أيضا أن يشفي بقيه الأشقاء العرب المصابين به سياسيا, وان يعيد الحيوية والبهاء والنضارة إلى وجوههم , وبنور أبصارهم ,فهذا الغضب الساطع .... يبشر بمستقبل زاهر لامتنا العربية ,قد تمتلك فيه إرادتها وتعيش ديمقراطيتها , وقد يؤدي ذلك إلى وحدتها و سيؤدي حتما في النهاية إلى تحرير القدس وفلسطين من الرجس الصهيوني ؟؟؟؟؟!!!!!.
وأخيرا وقى الله سبحانه وتعالى هذا الوطن الغالي وشعبة الكريم من كل مكروه وأدام عليه أمنه وعزة واستقلاله تحت قيادة جلالة الملك عبد الله بن الحسين المعظم ....أمين.............
طلب الجالودي
talabj@yahoo.com