طفلة حي نزال (جُود) ذات العام الواحد، تستقبل طلقة طائشة، تخترق رأسها، وتستقرّ في عمودها الفقري، لم يمهلها الأرعنُ الحقيرُ صاحبُ الرصاصة وهي في حضن والدها، فيفرقع دماغها، ويسيّـل دمها الدافئ على ذراعه، وتنتفض الأم التي شاركت في هذا المشهد حيث كانوا جميعًا في طريقهم لشراء لعبة لابنتهم الوحيدة (جُود).
هل انتابتكم قشعريرة، وأحسستم برغبة بالبكاء وذرف الدموع، شاركونا إذن بالحزن والسخط إن فاتكم زيارة الطفلة (جود) في المستشفى، فربّما لن تدركوها وهي ستنسحب من الدنيا قبل أن يجف مداد مقالي.
سؤالي الكبير والوحيد هو مَن الحقير الذي أطلق النار؟ لا أظنّ أنّه الوالد التافه للطالب الفاشل، الذي نجح في التوجيهي، فالنتائج قد ظهرت قبل أسابيع ومن أطلق أطلق يومها ومن أصيب أصيب. ولا أظنّ أنّ مطلق النار كان الشقيق الأرعن للشاب المقرف الذي اقترن بالعروس التافهة فسكتت عنه الجاهة الرخيصة وهو يملأ السماء من رصاص مسدسه غير المرخّص، ببساطة لا أعراس ليلة الثلاثاء.
إن لم يكن مصدرالنار يتعلق بالتوجيهي أو الزفاف، فما المناسبة الهامة التي انطلقت فيها الرصاصة وفجرت رأس الطفلة؟ إذن فالثمن الذي دفعته الطفلة ووالداها وأهلها وجيرانها وأنا وأنت كان لسبب سخيف سخيف، ربما نظّف الكلب مسدّسه أو هدّد بتطليق زوجته.
حي نزال منطقة شعبية فقيرة لا يسكن فيها أهل النفوذ، ولو كانت الطلقة قد استقرت في رأس طفل لأحد الكبار أو حتى ثقبت سيارته أو مرّت بالقرب من أذن خادمته الفلبينيّة لقامت الدنيا ولم تقعد. أو لخرجت تظاهرة أغلقت شارع الجاردنز مثلاً، أو لحرقت الإطارات كما حصل في السلط مثلاً، أو، أو... ولكن كون الموضوع لا يخص مسؤولا أو يتعلق بعائلة من وزن فوق الريشة، فلندع التحقيق (القصير) يأخذ مجراه بسهولة.
المريح بالنسبة إلى البعض أنّه من السهل جدًا تقييد الموضوع برمّته ضد مجهول، وليطلع علينا الناطق الرسمي بأنّ الفاعل هو القضاء والقدر، أو أنّه لا رصاص انطلق بالأصل، أو أنّ جُود لم تُولد من حيث المبدأ، ويتمّ طيّ الملف.
لن نحاسب الحكومة إن هي فشلت في العثور على صاحب اليد الظالمة العفنة (على اعتبار ما سيكون ونتمنى)، التي أطلقت الرصاص، فالموضوع صعب عليها ( لكن والله العظيم ليس مستحيلاً لو توفرت النية)، بل سنحاسبها وأجهزتها الأمنية الساهرة إن هي لم تحرّك شعرة في سبيل وقف ظاهرة إطلاق النار في الهواء، والحد من هذه العنترية المقزّزة، وأكثر من ذلك, وسنتّهمها بالتواطؤ إن لم نر تحقيقًا تم فتحه ( إكرامًا لدم طفلة الأردن، جود) لمطابقة الرصاصة الجبانة مع الأسلحة المرخّصة الموجودة في أيدي فئة من هذا الشعب.
أدعو من يستهجن مني هذه الهَبّة والصرخة المريرة أن يضع نفسه مكان العائلة الأردنية المكلومة، أو أن يفسّر لي استهتار من يحمل السلاح الشرعي وغير الشرعي في إبراز أسلحتهم والإطلاق بلا تردّد أو خشية أن تلقطه \"كاميرة\" الأمن أو عيون المكلفين بحمايتنا من أنفسنا.
وفي الختام، أنا المواطن المذكور أدناه، لا أشهر السلاح عند الفرح أو الغضب، فضلاً على أنني لا أمتلك سلاحًا، لا خوفًا منه (علمًا أنّني قد كوفئت بيومين إجازة؛ لأني الأول في الرماية أثناء خدمتي للعلم الأردني)، ولكن تحسبًا من أن يتحوّل السلاح في يدي إلى تهمة إرهابيّ، فذلك أمر يستدعي أن تستنفر له كل الأجهزة؛ لأن مصيبتي ستكون أعظم حتى من إصابة طفلة في أم رأسها بوجود أبيها وأمّها.