أسابيع عدة انقضت ولم أنساك فيها يا وصفي, ولكنني لم أكتب فيها عنك. أسابيع عدة بدلت الشمس بها المشرق والمغرب ما غبت فيها عن الفكر والوجدان, ولكن يراعي ما خط بها الحروف الأربعة العزيزة \"وصفي\" . زرتك أربعا ولكنني لم أزين الورق الحزين بالأربعة الشوامخ \" و ص ف ي\"
تذكرتك كثيرا, تذكرتك دائما, تذكرتك في كل خلجة نفس, وفي كل حركة وسكون, فقد طال الليل واحلولك ديجوره وعزت أقماره, وعندما تدلهم الخطوب وتضيق الدنيا بما رحبت, ويحتاج السرج فارسه, والسيف ممتشقه وخابره, والقوس باريها, فلا وصفة أو ترياقا الاك, ولا عطر للذاكرة الا اسمك ورسمك.
يا سيد الرجال وشيخ الشهداء, يا دولة الإنسان ومعالي الكرامة, يا سعادة العزة وعطوفة الفخر, يا نخلة الوطن وقينوسته التي لا تنحني, يا غماما نستظله حتى بعد غيابه, ويا سحابا نستمطره حتى بعد أربعين صيفا وشتاء.
سيدي دولة الرئيس ووزير الدفاع وصفي مصطفى وهبي التل الأفخم,
أستميحك العذر أيها الشهيد المجيد, وأستجديك العفو أيها المطلق الوحيد في تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا, كتبت كثيرا كثيرا, نثرت الألوف من الحروف بين احضان الأثير, وزرعت فسائلها الغضة تكرارا في رحم الأرض التي أحببتها يا وصفي, ولكنني لن أسامح نفسي ويراعي, وأنا أضبطهما متلبسين بجرم نكران الجميل, وكبيرة خلو عقود كلامي من درة التاج وأم الجواهر وماسة الماسات بأكبر قيراط عرفه تاريخ مقاسات الوطنية والإيثار وحب الوطن, و ص ف ي.
عزيزي الشهيد,
يا فجرا شمسه حرية وضيائه وطن, يا فكرا أرضه عطاء وعطائه سماء, يا ابن الأرض وأب الشجر ونضار الربيع, يا سيدي الشهيد المجيد, يا نسغ الحياة وأنفاس الأمة, يا عقالا زين هاماتنا وما زال, يا هدب الكوفية المنتخية بالفروسية الحقة, المطروزة بالتيه والإباء, وحقك أنت المنى والطلب, وأنت العزيز التليد النسب, وأنت الحميد الخصال القريب المحال الغدير الزلال الذي ما نضب, وبدر العتام الذي ما احتجب, وكفؤ الجسام وحد الحسام الذي ما ارتعب.
عقود مضت, وأخرى أتت, وأنت العزيز الحبيب الذي لم يغيب, وانت الشباب الذي لم يشيب, وأنت لجرح الغلابى الطبيب.
وإن غبت عن ورقي أيها العزيز, فإنك في القلب تسكن, وفي الوجدان تسكن, وفي الفكر والعقل تسكن, وفي كل الجوارح تسكن. وإن تركك سن قلمي لترتاح قليلا, فسن الرمح أنت الذي لا يرتاح, وحد الرجولة الذي لا يثلم ولا يترجل, وأنت القابض على أعنة المجد وكبير سدنة العنفوان الوطني الأردني في كل زمان ومكان.
أخي وصفي,
الأخوة شريان مشترك يسري به نفس الدم وعين الحياة, وعرق يلتهب به نفس الحب لنفس الأرض والوطن, أنت المعلم يا وصفي, فهل تقبلنا في روضتك التمهيدية من تلاميذك؟
جمال الدويري