في زحمة البحث عن الإصلاح ومفهومه وأدواته وآفاقه على صفحات الصحف بأنواعها وعلى السنة المنظرين والمثقفين وفي سماء لافتات المعتصمين أجد نفسي مجهدا أمام هذا الكم الهائل من التحليلات والطموحات وأحيانا تائها بين تلك التحليلات قأخلو بنفسي قليلا لأسألني: ماذا أريد؟ أو ما وجه الإصلاح الذي أريد؟
أهو إصلاح سياسيّ يقوم على وضع دستور جديد عصريّ يتناغم وروح العصر ويؤسس لقيام الدولة المدنية وصياغة قانون انتخابي يفضي بنهاية المطاف الى حكم ديمقراطي يعبر عن إرادة الشعب دون أيّة عملية تشويهية أو تقزيمية؟
وإصلاح اجتماعي مجسدٌّ بالمساواة بكل معانيها العصرية ودون تجزئة أو بتر لنصل الى لوحة فسيفساء يشعر كل حجر بداخلها أنّ له بريقا ودورا كغيره لا يكتمل المشهد إلا به.
وإصلاح اقتصادي يقوم على حماية مقدرات الدولة الرئيسة وتأميم القطاعات الحيوية التي تمس أساسيات المواطن الحياتية،اقتصاد قائم على استخلاص تجارب الغير كتجربة الصين مثلا؟
يقال: حين يتوفر القرار السياسي عالي المستوى بالإصلاح يكون تطبيقه سهلا نسبيا.
ولكنّ السؤال الأهم هل ينجح تطبيقا في ظل وجود الحرس القديم الخاسر الأول والأكبر من مخرجات هذا الإصلاح؟
ارى في بلادنا حرسا قديما مزدوج النوعية:
الأوّل عبر تراكم الاعتماد على النظام العشائري كركيزة للسلطة فأفرز وعبر حقبات طويلة رموزا بعيدة وغريبة عن بيئتها العشائرية من ناحية وقريبة من مركز صنع القرار من ناحية أخرى.
والآخر جاء عبر تراكم رأس المال وانتشار الفساد والنهب المستمر لمقدرات الوطن حتى انتفخ وتضخم وسيطر على مجالات اقتصادية حيوية منحته نصيبا من التحكم بالقرار السياسي.
وكلا النوعين أصبحا حالة يعيشها المجتمع في جزئيات يومياته وبصورة دائمة تعبر عن نفسها بالتوارث إن استطاع القدر النيل من أحدهم.
هذا الحرس القديم الجديد وبعد أن شكل طبقة خاصة استطاعت أن ترتبط ( كمحصلة حتمية) بعلاقات قوية وعميقة ومعقدة في داخل هرم السلطة وتحاول دائما الظهور بأنّها من يحمي الوطن والوحيدة القادرة على فهم متطلبات جميع المراحل وبيدها فقط مفاتيح الحل السحري لكل معضلات الوطن.
هذه المجموعات لا يمكن أن تقبل الإصلاح بسهولة بحكم مصالحها الطبقية،بل ستدافع بكل قوتها عن النهج القديم الذي يضمن بقائها ويخدم مصالحها وستقود ما يسمى بالثورة المضادة في مواجهة دعاة الإصلاح أو حتى لجان الإصلاح نفسها.
والغريب بالأمر أنّ محاولات أو دعايات الإصلاح لا تستطيع الخروج من عباءة رعاية هذه الطبقة
بل ونراها قائدة للإصلاح في الأردن،وعليه كيف سنرى إصلاحا يقوده مجموعة من الحرس القديم إصلاحا إن تمّ سيكونوا جميعا خارج دائرة الحكم وفي قفص الاتهام،فهل سيحاسب الفاسد نفسه انطلاقا من مبدأ الاعتراف أمام الشعب لا أمام رجال الدين أو تيمنا بمحاكم الاعتراف؟
أخيرا هل من الممكن أن توجه بوصلة الحراك الشعبي الى مجابهة هذه النخبة بداية حقناً للوقت والجهد وكثورة بيضاء استباقبة على الحرس القديم؟