حسان الرواد
بيانات في ظاهرها الولاء للملك والحرص على مصلحة الوطن وفي باطنها العذاب والفتنة وشق الصفوف...
فلا عجب من صدور البيانات المتتالية التي تعلن التأييد والولاء وتجديد البيعة للملك وهذا ليس غريبا عن الأردنيين الأوفياء الذين برغم ظروفهم الاقتصادية والسياسية السيئة وبرغم فقرهم وضياع حقوقهم وغياب العدالة عنهم وتسلط طبقة توريث المناصب على قوت يومهم وقرارهم, إلا أنهم ما زالوا أوفياء للملك وللهاشميين الذين ارتبط مصيرهم بمصير الأردن والأردنيين فهؤلاء هم الأردنيون وما زالوا ولكن...
المتتبع للبيانات والشعارات التي تصدر تباعا وفي أكثر محافظات الأردن وعلى رأسها العاصمة عمان يلاحظ أنها قد ربطت المسيرات الشعبية المطالبة بالإصلاحات السياسية ومحاسبة كل المفسدين الذين نهبوا خيرات البلد قد ربطتها بالتآمر على الوطن والملك؛ يعني بمفهوم هذه البيانات أن من يطالب بالإصلاحات ويخرج في المسيرات هم أعداء للوطن والملك وهنا تكمن الكارثة والخطأ الجلل الذي يقع فيه بقصد أو بدون قصد من يقف خلف صياغة هذه البيانات والتي تدعوا صراحة لنشر مفهوم البلطجة الذي ثبت من تجارب من سبقونا إليها بأنها ذات مفعول عكسي تماما, ولم تفلح بالمطلق بل زادت لهيب المطالبين بالإصلاحات سعيرا, ورفعت سقف مطالبهم في كل مرة ومع كل قطرة دم سالت من متظاهر.
وهنا يحق لنا أن نسأل هل تخدم هذه البيانات الملك أم تضر به؟ إن التعامل الراقي الذي تعاملت به الأجهزة الأمنية الأردنية والذي نتمنى أن يدوم, قد أثلج كل الصدور, ليس بالعصير المثلج ولا بعبوات الماء التي يتم توزيعها على المتظاهرين فقط,, بل بالتعامل الحضاري المتميز والحريص على عدم إعطاء الفرصة لتأجيج الأمور كما حدث في تونس ومصر ويحدث في اليمن وليبيا وحتى البحرين المملكة, بل إن صاحب هذه الفكرة والقرار هو من أكثر المخلصين والمحبين للملك ففيه كانت الحكمة وفيه كان الهدوء وسط عواصف ورياح تغيير قوية تحيط بنا كسرت حاجز الخوف والرهبة عند جيل طالما خشي عصا القمع والقسوة.
إن هذا الحشد والتعبئة الخاطئة التي تتم من خلال تصوير المتظاهرين مرة بالمتآمرين, ومرة بأعداء الوطن ووحدته الوطنية, ومرة بأنهم أعداء للملك, ومرة أخرى تربطهم بالأردنيين من أصل فلسطيني واللعب بهذه الورقة المفضوحة لتأجيج مشاعر الفتنة كما فعل النائب الكوز ويفعل غيره بالخفاء, نعم أقول: إن هذه التعبئة المشوهة هي مصدر الخطر الأول والحقيقي للأردن والملك, فعندما تسمح هذه الفئات لنفسها بالزج والربط بين هذه الثوابت التي يجمع عليها كل الأردنيين حتى أكثر المعارضين شدة, وتقسيم المجتمع الأردني حسب هواها إلى فريقين من أجل خلط الأوراق والتشويه المتعمد الذي بات معلوما للجميع ولم يعد ينطلي على المجتمع الأردني الأكثر وعيا من أي وقت مضى, فإما محب للأردن والملك وإما عدو لهما, فإنهم بحرصهم الظاهر وتحريضهم الباطن يدفعون بالأمور إلى الأسوأ وإلى ما لا تحمد عقباه أو يتمناه أي أردني غيور وشريف, وعلى هؤلاء أن يكفوا عن هذا التحريض الذي أثبت فشله أكثر من مرة, وليعلموا بأنهم بهذه البيانات هم من يحرض على الوطن وأمنه ويزعزع استقراره ويهدد ملكه.
من حق الأردنيين أن يطالبوا بالإصلاح السياسي, ومن حقهم أن يعبّروا عن أرائهم, ومن حقهم أن يكون لديهم مجلس نيابي منتخب وممثل حقيقي للشعب بعيدا عن كل أنواع التزوير, ومن حقهم أن يروا رموز الفساد داخل القضبان بعد أن تعاد كل الأموال التي سرقوها, ومن حقهم أن يحظوا بفرصة خدمة بلدهم في المواقع المختلفة التي صادرتها واحتكرتها عائلات التوريث السياسي وباتت حكرا لهم ولأبنائهم على مر الزمن, من حقهم ولا منّة لأحد عليهم أن ينعموا بكل حقوق المواطنة في بلدهم كما ينعم الوطن منهم بكل الواجبات المطلوبة والمترتبة عليهم, فمن غير المعقول أن لا يحظى معظم المواطنين الأردنيين إلا بالرقم الوطني, وتنعم فئة قليلة بكل خيرات البلد وثرواته ومناصبه.
rawwad2010@yahoo.com