يبدو لكل متابع لأحوالنا المحلية، وبما لا يدعو للشك، أنّ التزوير قد أصبح جزءًا من ثقافتنا وتراثنا، وأنّ التدخل في الانتخابات ـ أي انتخابات ـ قد أصبح من الأصول المتوارثة، وأنّ إقحام الأنف في اختيار الممثلين عن الوطن في شتى المواقع، تتحكم فيه جهات لن تمل من أن تؤكد لنا كل يوم بأن الديمقراطية في واد وأننا في واد آخر غير ذي زرع.
قبل أسابيع قليلة كان أبناؤنا الطلبة في المدارس الحكومية على موعد مع انتخابات لإفراز ممثلين عنهم في مجالس الطلبة ( البرلمان المدرسي)، حاولت أن أقنع نفسي أن لا أحد في رأسه عقل يخطر بباله أن يشوّه البراءة، وأنّ جيل المستقبل خط أحمر، وأنّ وأنّ.... لكنّ الأمور سارت بشكل طبيعي وعلى ما يرام كالعادة، تزوير في تزوير.
والأمس فاحت رائحة تزوير في انتخابات طلابية في عدد من الجامعات، القصة هي هي؛ تدخّلٌ أمنيٌّ على الملأ، استدعاء طلاب والضغط عليهم للانسحاب، تلويح بعصا الحرمان من المنح والابتعاث، ووسائل أخرى يعرفها من يعيش في تلك الأجواء الديمقراطية أخت حرة وبنت خالة نزيهة.
يا سادتي الكرام، إن كان لا مناص من التزوير، ولا أمل بالتغيير إلا في طرق التزوير، ومنعاً للإحراج المتكرر وهدر أموال الناس في الدعايات، وتضييع أوقات العقلاء في قراءة البرامج الانتخابية، وحضور الندوات والمناظرات، وشق الصف العائلي، أقترح سَنّ قانون يبيح التزوير، قانون مؤقت مثلاً، يتمّ العمل به إلى أن يفرجها رب العالمين. وبذلك لن يخرج علينا أحد ويكيل الاتهامات ويشوّه سمعة البلد ويتهمنا بأننا قوم لا نعمل بالقانون.
من سيكون المخوّل بتطبيق قانون التزوير؟ بالتأكيد نحتاج إلى جهة تجمع بين القوة غير المحدودة أو المراقبة وبين الحكمة والعقلانية والتفكير الرشيد؛ لأنّ تطبيق القوانين ليس بالأمر الهيّن، وخاصة إن كان هذا القانون يقنن التزوير \"الحميد\" والتدخل في مصير الجماهير.
لا نريد أن نكرر خطأنا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة للعام 2010، حيث قام بالدور جهة أو أشخاص ذوو خبرات ضعيفة وباع مبتور، ولم يكونوا بالمستوى الراشد، فبدلاً من أن تتم الأمور بنعومة ويكون تطبيق التزوير لائقاً مشرفاً، إذ بنا ندخل في تعقيدات تتعلق بمعارك شاركت بها العشائر وأغلقت طرقات وتكسرت السيارات وواجهات المحلات، كان بئس التزوير، لا أعاد الله علينا ذلك اليوم. وفي المقابل فقد كان تزوير انتخابات 2007 البلدية والنيابية أكثر إتقاناً وبراعة، كان مشرّفاً، والدليل أنه تطلب أمرُ اكتشافه ما يناهز العامين، كما أنه لم يستطع أحد أن يحصل على أي دليل ماديّ على حدوثه، فلا تكرار في القوائم ولا هويات مزورة، والسبب البسيط هو أنّ من قام بالتزوير، أقصد تطبيق قانون التزوير المعدّل كان محترفاً قوياً، رشيداً، عقلانياً، وبذلك استحق شهادات النزاهة من عدد من الجهات وخاصة بعض الجهات الأجنبية التي أثنت على حسن سير الانتخابات.
قد يسأل سائل، ولا عيب في أن يسأل المرء، كأن يقول: لماذا التزوير؟ ولماذا نزور؟ ولماذا نتدخل في مصير الناس؟ والجواب ببساطة: أنّ الشعب عندما لا يعرف مصلحته، ويتم تضليله، فقد ينتخب من لا ينفعه، أو أن يتم التغرير به من بعض أصحاب الأجندات الخارجية، أو الداخلية، أو أن يتم اختيار أشخاص مدفوعين من الخارج، من موزمبيق مثلاً، أو أن يكونوا أصحاب نفسيات مريضة، كوليرا مثلاً، أو مأجورين، ونحن بصراحة بلد الأمن والأمان، والخير والاطمئنان، ولا نريد أن يعبث فينا عابث، فيفقدنا الخير الذي يسبح فيه جميع المواطنين والذي يحسدنا عليه معظم مواطني الدول المتقدمة، مثلاً. خلاصة الكلام، لا نريد أن نكون إلا كما أراد لنا من لا ندري أن نُريد ما يُريد.
أخيراً، نتمنى أن يعرف المعنيون دورَهم وواجبَهم، بل ويتقنوا ما يفعلون، وأن يتحلوا بالرشد، ونحن في المقابل كمواطنين في مختلف الأعمار والمقاسات أن نتحلى بقدر عال من الثقة بأجهزتنا الرشيدة، وبقدرتها على تطبيق قوانين التزوير بكل حرفية ومهنية عالية، فإن لم يتحقق ذلك فأمامنا طريقان: إما أن نغيّر هذه الأجهزة، أو أن نلغي التزوير ,,,,