إلى هذه الدرجة هان الأردن على البعض من أبنائه الإعلاميين ، رغم أنه أعطاهم الكثير في الماضي ، ولم يبخل يوما عليهم ليعمدوا من شدة التحيز إلى إخفاء أخبار المسيرات الداعية للالتفاف حول خيمة الوطن في هذه الظروف الإقليمية الصعبة مهما بلع حجمها ، وتعددت القوى الاجتماعية المشاركة فيها ، أو يغطونها بصيغة مسيئة ، في حين يلجأون إلى تضخم ، وتكبير صورة مظاهرات ، ومسيرات بعض القوى التي باتت تضرب على الوتر الحساس في عصب النظام السياسي الأردني ، وستزج بالبلد في أتون حرب أهلية إن نجحت في مراميها لا قدر الله ، وقد نقلت حراك الأردنيين من مطالب معيشية بحتة إلى إحداث تغييرات جوهرية على هوية ، وشكل النظام السياسي.
وهذه المسيرات الوطنية جاءت لإبطال مخطط اختطاف الشارع من قبل مجموعات صورتها بعض وسائل الإعلام كأنها الناطقة الوحيدة باسم الشعب ، ليتم التغاضي عن مجرد نقلها ، وإذا ما أشير إليها يجري ذلك بأخبار بسيطة غير لافتة ، مما يضعف أهدافها المتمثلة في إظهار أن هنالك رأيا آخر في الأردن مضاد لمطالبات سياسية خطيرة شرعت بها بعض القوى من خلال الاستقواء بظروف ، وتداعيات هذه المرحلة الإقليمية المتوترة. وقد أخذت تطغى على السطح السياسي ، وكأن لا رأيا آخر يخالفها في البلد بسبب عدم حيادية بعض وسائل الإعلام ، والتي تبرزها كأنها تمثل حراك الشارع وحدها ، وتقوم بتضخيم هذه الفعاليات والأنشطة مهما كانت محدودة ، وتعطي صورة إعلامية مكبرة لها أنى بلغ حجمها إلى درجة أن تصنع الأخبار ، وتفبرك ، وتركب على فعاليات بسيطة في الشارع كي تعطي الانطباع أن الأردن كله في حالة اضطراب ، ومقبل على كارثة سياسية إلّم يرضخ لضغوط بعض القوى المطالبة بالتغيير الذي يطال هوية النظام السياسي فيه.
وحسبهم أن لحظات التحدي ، والعقبات التي تعترض سبيل الدول تظهر رجالات الوطن الحقيقيين ممن يغلبون الصالح العام على بعض الخلافات ، ويضحون من أجله بالمهج والأرواح ، وهم ينظرون إلى مستقبل الأجيال القادمة ، ولا يحولونها إلى مجرد مرحلة لتصفية الحسابات على خلفية مصالح صغيرة بغض النظر عن حجم الخسائر التي ستترتب إثر ذلك.
ولعمري هذا أقسى ما يتعرض له الأردن الوطن الطيب الذي يقابلونه اليوم بالجحود في خضم هذه المرحلة الحساسة ، وهم يتخلون عنه ، ويساندون كل من يسعى لاستغلال الظروف كي يجبره على الرضوخ ، والاستسلام لدعاوى مناهضة لمصالح شعبه. وقد مكنوا كل ناعق من أن يهدده ، ويجد له دعما إعلاميا يظهره قائدا للشارع ، وحاولوا جهدهم إخفات الصوت الوطني الذي يشكل ممانعة في وجه فرض تغييرات سياسية على نظامه السياسي ستكون مدمرة على المدى البعيد لنسيجه الاجتماعي.
فما الذي جناه الأردن ليعامل بهذه الطريقة القاسية؟ وهل يعدهم بعض هؤلاء المغامرين بحياة أفضل؟ ، وكيف أشاعوا أن الأردنيين في حالة اضطراب حتى أن مظاهرة تقدر بالعشرات تتم تغطيها في مواد إخبارية تشير إلى أنها حاشدة بآلاف ، وتجد لها حيزا إعلاميا كبيرا ، وتحاك بعض الأخبار عن أحداث لم تقع ، وكل ذلك لتضخيم قصة ما أطلق عليه بالإصلاحات الدستورية ، ويتم التقليل من أهمية فعاليات مناهضة للاستقواء على الأردن ، ونظامه السياسي حتى لو قدر حجمها بمئات آلاف من المشاركين؟.
ووضعت بعض وسائل الإعلام كافة إمكاناتها خلف هذه الدعاوى الهدامة ، وأغفلت أن هنالك حراكا موازيا يفوق حجمه عشرات ، وربما مئات المرات من منطلق الحرص على البلد ، وسيندفع لتجنيب الأردن الإذعان لتسويات سياسية - في هذه المرحلة الحساسة - لا تخدم في نهاية المطاف سوى المخططات الصهيونية بنقل الصراع إلى الأرض الأردنية.
سيعبر الأردن هذه المرحلة الصعبة - بعون الله - وبهمة ووفاء أبنائه المخلصين ، وسيحافظ على ميزاته بكونه قطب ، ورحى الاستقرار في المنطقة ، وسيغدو قبلة عربية لمن ينشدون العيش بسلام ، وكرامة ، بعيدا عن الهزات السياسية ، والظلم ، وسيبوء هؤلاء الذين ناصروا بعض القوى باستقوائها على الأردن بالفشل ، وسيأخذون مواقعهم على هامش قلب الوطن ، وهم من سعوا لفرض صورة مفبركة للأحداث الجارية فيه ، ولم يراعوا المصلحة الوطنية ، وضرورة تفهم دقة الظروف في تجنيب بلدهم مخاطر هذه المرحلة الإقليمية العاصفة.