في الأردن وفي العالمين العربي والإسلامي ، لا زالت الآراء متباينة حول وجوب اغلاق المساجد أو فتحها للصلاة خاصة في ظل انتشار وباء كورونا في معظم بلدان العالم ، حيث ترى الجهات الرسمية في المملكة أن قرار إعادة فتح المساجد مرهون بتوصيات اللجنة الوطنية للأوبئة وتطورات أزمة فيروس كورونا المستجد ، موضحة أن الهدف من إغلاق المساجد ليس لمنع الصلاة ، بقدر ما هو منع للتجمعات التي تساعد على نقل عدوى المرض ، وذلك حفاظا على صحة المصلين وعلى صحة جميع الناس ، حيث أن قرار الاغلاق وما ترتب عليه من عدم الصلاة في المساجد متوافق مع مقاصد الشريعة الداعية إلى حفظ النفس .
ومع الزيادة المخيفة لعدد الإصابات والموتى بسبب فيروس كورونا اتجهت هيئات ودور الفتوى في العالم بإصدار الفتاوى والاجتهادات التي انقسم الناس حولها انقساماً كبيراً ، فارتاح لها أغلبهم وعارضها بعضهم مستأنسين ببعض الفتاوى الرافضة لإغلاق المساجد ، كدعوتهم الى التفريق بين الناس في صلاة الجماعة بحيث يكون بين المصلي والآخر مسافة متر ، وهذا الفهم نابع عن عدم استيعاب حقيقة الفيروس وكيفية انتقاله السريع بين الناس وعدم فهمهم كذلك للأسباب العلمية والطبية التي تستدعي الحذر والاحتياط اللازم من هذا الوباء .
وموقفنا في الأردن من وباء الكورونا ومنع الصلاة في المساجد بصورة مؤقتة لم يأت جزافا ، بل أيدت ذلك رابطة العالم الاسلامي وعلى لسان أمينها العام الشيخ محمد العيسى الذي أكد أن صلاة الناس في بيوتهم هي صحيحة تامة ولهم فيها أجر الجماعة في المسجد لكونهم معذورين شرعا ، كما دعا كثير من علماء الأمة
القائمين على المساجد الى إغلاقها والطلب من الناس الصلاة في بيوتهم بسبب فيروس كورونا ، مستندين بأن الإسلام له فقه سبق به الكثير من الأدبيات التي تحث الناس على الحفاظ على أنفسهم ، وأن المسلم اذا شعر بأنه سينقل العدوى لغيره فعليه ان يتجنب عدوى الناس وإيذائهم ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر الناس بالصلاة في بيوتهم بسبب المطر تجنبا لتعرضهم للأذى ، وهذا ينطبق على أي عذر يُسقط صلاة الجماعة ، كما أجمع علماء الأمة الاسلامية على أن صلاة الجمعه تسقط عن المسلم اذا كان مسافرا أو مريضا أو غير مستطيع ، وإذا وجد أنه سيأتي للمسجد ليؤذي الناس فعليه أن يتجنب ذلك وأن يصليها ظهرا في بيته ، وقد ذهبوا الى أبعد من ذلك بالقول ، لو وجدنا أن المرض منتشر وأننا نخشى على المصلين إذا جاءوا إلى المسجد ، فعليهم أن يغلقوا المسجد وأن يصلوا في بيوتهم حفاظا على النفس ، لأن الأخذ بالأسباب جزء من ديننا الحنيف .
وللحدّ من فيروس كورونا ينصح الأطباء بمزيد من الحيطة والحذر من خلال الابتعاد عن الأماكن المزدحمة في الأسواق ودور العبادة والمناسبات الاجتماعية وعزل المشتبه بهم لمدة 14 يوما وعدم مخالطة المرضى حتى يتم شفاؤهم تماما ، ومعنى العزل أن يقطع الانسان نفسه عن العالم الخارجي ولا يخالط الناس ، بل يمكنه أن يختلط بمن يعيش معه بالمنزل بشكل طبيعي ، كما أن الأسرة يمكنها أن تعيش حياتها اليومية بشكل طبيعي ، فهم غير خاضعين للعزل ، ويمكنهم مغادرة المنزل وشراء الأغراض دون مشكلة ، وما يهم هو عدم الاختلاط بأشخاص لا يعيشون معه المنزل.
ونختم بالقول بأن من الحقائق الطبية حول الفيروس الخطير ، أن خطره الأعظم يكون في سرعة انتشاره وانتقاله ، وأن المصاب به قد لا تظهر عليه أية أعراض ولا يعرف أنه مصاب به ، ونود أن نُذكّر بأن امرأة واحدة أصيبت به نشرته في كوريا بسبب حضورها الصلاة في الكنيسة ، هذا فضلا عن المعرفة بطيبعة جمهور المساجد من كبار السن والمرضى الذين هم أكثر الناس تضرراً وموتاً من فيروس كورونا ، وتعرفون أن من عاداتنا كمسلمين في المساجد تكرار المصافحة والمعانقة والسجود في موضع سجد فيه مصلون آخرون ، وهذا مما يسهل نقل العدوى ونشر الفيروس بصورة سريعة وخطيرة ، نسأل الله تعالى أن يعجل برفع البلاء عن البلاد والعباد ، وعن بلادنا وسائر بلاد العالمين .