تحركات الحكومة الحالية مقبولة ورائعة ومقدرة لو كنا نعيش في القرون الوسطى، ولكنها تعتبر متجمدة ومتحجرة وغير ذات جدوى في هذا الوقت الذي يشهد تغيرات جذرية ومتسارعة على أكثر من صعيد. وما كان مقبولاً ومتقدماً قبل ثلاثة شهور، لم يعد كذلك الآن!
يبدو أن الحكومة ما زالت تفكر بذات الطرق القديمة، ولم تدرك أن الزمن تخطى كل ذلك، وأن عليها أن تتحرك بسرعة، وأن تحذف النوم من قاموسها، وأن تتجاوز الأساليب التقليدية في التفكير والتخطيط والتنفيذ، وعليها إن أرادت النجاح وأداء مهمتها أن تبتعد عن أساليب تخدير الناس، ومحاولة كسب الوقت بالتسويف والمماطلة، والوعود البراقة تحت أية ذريعة كانت.
الإصلاح لا يحتاج إلى لجان، لأن اللجان وسيلة لقتل الموضوع الذي تكلف به. ثم إن لجنة الأجندة الوطنية قد كفت ووفت، وقامت بما كلفت به لجنة الحوار الوطني وزيادة، وما على الحكومة إن أرادت الإصلاح حقيقة إلا أن تأخذ بتوصيات لجنة الأجندة الوطنية ومقترحاتها.
الإصلاح بكافة مجالاته يحتاج إلى قرار واضح ومحدد ونافذ فوراً دون تردد، لأن الخير والصواب والإصلاح الحقيقي لا يختلف عليه اثنان، ويمكن للحكومة أن تضع مشاريع قوانين للإصلاح وتعرضها على الرأي العام للمناقشة والحوار، ثم تتخذ الخطوات العملية لإقرارها ولو بشكل مؤقت، لأن مجلس النواب الحالي غير مؤهل لأي إصلاح مؤمل!
وأعجب من الحكومة عندما تضع الكرة في ملعب لجنة الحوار في محاولة للتهرب من مسؤولياتها، وهي تعي تماماً أن توصيات اللجنة ستبقى مجرد توصيات ومقترحات غير ملزمة لأحد سواء في الحكومة أو مجلس النواب، وإذا كانت توصيات اللجنة ستترجم إلى قوانين توضع بين يدي مجلس النواب فلنقرأ السلام على كل جهود اللجنة التي ستذهب أدراج الرياح!
المواطن لم يلمس حتى اللحظة أي تغير يذكر يتناسب وحساسية المرحلة، وما زالت الحكومة تراوح مكانها، كأن الزمن بين يديها تتحكم به كيف شاءت. الثقة معدومة بين المواطنين وحكوماتهم، لأن الحكومات أتقنت فن الكلام والمواعيد، وإغراق الناس في بحر من الآمال الكاذبة، وما حكاية القطار السريع بين الزرقاء وعمان عنا ببعيدة، ومثلها أن يتحول سيل الزرقاء إلى نهر من جديد، ووعود الرخاء والرفاهية والعدالة الاجتماعية التي ما انفكت الحكومات مذ وعيت تملأ الأرض ضجيجاً بها، وبكل فجيعة نؤكد أننا سمعنا جعجعة ولم نر طحناً!
بل إن الوقائع وما يتكشف كل يوم يزيدنا إحباطاً وقنوطاً: من قضايا فساد في مشاريع كانت أملاً، وشبهات فساد هنا وهناك، وسوء تنفيذ للمشاريع، وهدر للمال العام، وتجاوز للقانون، وتفشي الواسطة، ورواتب ضخمة تعطى للبعض في مناصب لا تخدم الوطن بقدر ما تخدم جيوبهم، ووعود لم تتحق، وأحلام أجهضت، ومستقبل مغلف بالغموض!
نتفهم أن تعجز الحكومات عن حل مشكلة البطالة والفقر بين ليلة وضحاها، وأن تعجز عن رفع الرواتب بشكل مجز بسبب ضيق ذات اليد، ولكننا لا نفهم تخاذل الحكومات عن محاربة الفساد والمفسدين وهي أعلم الناس بهم وأساليبهم. وهي قادرة على تحسين الخدمات الأساسية، ولكن الخدمات تزداد سوءاً. وهي أولى الناس بتفعيل الرقابة المالية والإدارية، ولكننا لا نجد إلا تسيباً للمال العام، وترهلاً في الجهاز الإداري، وبطالة مقنعة تغص بها دوائرنا ومؤسساتنا ووزاراتنا. وهي قادرة على تحقيق نوع من العدالة والمساواة بين موظفي القطاع العام، ولكنها لا تنصاع إلا لمن يلوي ذراعها ويضغط عليها!
يبدو لي ولكل المراقبين أن الحكومة غائبة عن الوعي، أو تتعمد ذلك، وتتمترس خلف مببرات لا تقنع أحداً، بل إن الحكومة نفسها الأكثر إدراكاً أنها لا تقوم بواجبها كما ينبغي، وإلا فأين -على الأقل- جولات الرئيس والوزراء الميدانية، التي لا تتم –إن تمت- إلا بإعلام مسبق لإعطاء متسع من الوقت لمكيجة الميدان وتزوير الواقع وإعطاء صورة خادعة لا تمت للحقيقة بصلة.
المطلوب أن يتخلص جميع المسؤولين بدءاً من أي رئيس قسم إلى رئيس الوزراء من أسر مقاعدهم الوثيرة، ومكاتبهم الأنيقة، وسياراتهم الفارهة، وينزلوا إلى الميدان: مراقبين ومتابعين ومحاسبين، دون إشعار مسبق، كما هو دأب كل المخلصين الغيورين على مصلحة الوطن ورفعته وتقدمه.
الأحداث تتسارع، والتحديات كبيرة، والمطالب محقة، والوقت لا ينتظر. وعلى الحكومة أن تكون في مستوى المرحلة، لأن قبولها بالتكليف السامي، يفترض بها أن ترتقي بمستوى كتاب التكليف السامي، وأن تقوم بالمهام المنوطة بها على أكمل وجه، ولا عذر لمقصر، ولا حجة لعاجز، ولا مبرر لنائم، والتاريخ لا يرحم، ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه!
mosa2x@yahoo.com