صغر حجم الاقتصاد الأردني وقلة موارده تجعله كثير التعرض للصدمات الخارجية ، ولاشك بأن هذه الفترة التي تعيشها الدول العربية تعتبر من أبرز العوامل التي قد تعصف بالكثير من الإنجازات الأردنية على الجانب الاقتصادي ، وهي بحاجة إلى وجود فريق اقتصادي خاص بالتنبؤات الاقتصادية ،لوضع السيناريوهات المختلفة لكيفية التعامل مع تلك الأحداث وتقليل تأثيرها على مجريات الحياة الاقتصادية إلى أدنى مستوى .
أول الأحداث التي أثرت على الاقتصاد الأردني بشكل واضح مايعرف بالثورة 15 يناير ، وبموجبها خسرت البورصة الأردنية ملايين الدنانير بسبب انخفاض القيمة السوقية للأسهم المدرجة فيها ، ولشفافية الأسواق وتأثر البورصة بالأحداث السياسية الجارية ، أصبحت الأسهم وسيلة تحوط عالية المخاطرة ، الأمر إلى أدى وجود عرض كبير من الأسهم وهو ما أدى إلى ظهور خسائر أكبر في قيمة الأسهم ، وربما فإن الأيام القادمة وما يرافقها من أحداث مختلفة سوف تؤثر برمتها على البورصة الأردنية مرة أخرى ، لذلك لا بد وأن يرافق ذلك إجراءات وقائية من قبل الفريق المعني بإدارة البورصة لتفادي ما يمكن . كما تأثر الاقتصاد في نفس المرحلة بانقطاع الغاز المصري وما رافقه من نفوق كميات كبيرة من الاحتياطيات الأردنية من الغاز الطبيعي ، هذا الأمر لو استمر سوف يكون كارثة حقيقية على مستقبل الاقتصاد الأردني وعلى الفعاليات الاقتصادية التي تستخدم هذه الغاز لتوليد الطاقة الكهربائية أ و حتى لاستخدامه كغاز منزلي للقطاع العائلي .
أما عصب الحياة الرئيسي \" البترول \" فنحن الآن على أعتاب المستويات السعرية التي حققها في عام 2008 ، ونعلم جيداً ما هي الآثار التي سوف يخلقها الارتفاع السعري على الاقتصاد الأردني ، وللأسف لم يستفد المخططين الاقتصاديين من الدروس المستقاة خلال الثلاثة سنوات الماضية ، ولم تقم وزارة الطاقة بأية إجراءات احترازية لتفادي تكرار ما حصل ، وربما أبرز إنجاز لها هو إزاحة تكاليف الفاتورة النفطية إلى كاهل المواطن ، ووضع سياسة تسعير قائمة على تحقيق أرباح سنوية تصل إلى 250 مليون دينار سنوياً ، ورغم ذلك فقد حقق عجز الموازنة قفزات كبيرة غير مسبوقة . وللعلم فإن تثبيت أسعار النقط خلال الشهرين الماضيين أثبت عدم تأثيره على السياسة المالية ممثلاً بعجز الموازنة ، وذلك لأن تكلفة التثبيت خفضت من مقدار الأرباح التي تحققها الحكومة من الفروق بين أسعار الشراء والبيع ، ولم تزيد جانب التكاليف .
نفقات الأمن القومي في الأردن سوف تزداد بشكل كبير خلال هذه الأحداث ، وهذا سوف يزيد من النفقات المالية التي تتحملها السياسة المالية ، فجزء من هذه النفقات سوف يوجه للأمن الداخلي لتخفيف حالة الاحتقان السياسي التي تعيشها الدولة الأردنية ، وهناك جزء أكبر سوف يستخدم لتمتنين الخطوط الدفاعية الخارجية خاصة من الكيان ، وكل ذلك بجانب عودة فكرة خدمة العلم وما يرافقها من نفقات وتكاليف مالية حالية ومستقبلية .
عودة جزء من الطلبة الأردنيين من بعض الدول التي تشهد أحداث سياسية ، ربما يكون ذو تأثير إيجابي على اقتصاديات التعليم في الأردن ، ويقلل من الاستنزاف من حجم الدخل القومي الأردني ، ولكنه بنفس الوقت يعني زيادة معدل البطالة والحاجة إلى خلق فرص عمل جديدة للغتربين العاملين في تلك الدول . هذا الوضع سوف يكون حافز لتحريك المدخرات الساكنة في البنوك لتعويض نقص الاستثمار الأجنبي في الأردن ، وخلق فرص العمل الجديدة، كما حصل في عام 1993 .
نفقات الإصلاح الاقتصادي والسياسي التي فرضت نفسها بقوة على الساحة المحلية ، تعني الحاجة إلى برامج اقتصادية واجتماعية قوية لتفعيل مقولة الإصلاح وإلا ستبقى هذه الكلمة بارزة في الصحف والمقالات والكتب النظرية دون أدنى وجود لها على أرض الواقع ، فمكافحة الفساد بحاجة لأموال كثيرة تنفق على الجهاز الإداري والقضائي ، كما أن تفعيل الرقابة المالية على المال العام في الداخل ممثلاً بديوان المحاسبة ، وفي الخارج ممثلاً بدائرة الجمارك العامة ومحاربة التهريب الضار بالاقتصاد الأردني من قبل المتنفذين ورجال الأعمال ، وهو أولى من التضييق على المسافرين الأفراد ممن قد يحمل معه تلفزيون أو قطعة كهربائية لا تتعدى قيمتها 200 دينار .
إن الكلمة التي قالها أحد المسئولين من أن كلمة الأردن الفقير سوف يتم حذفها من القاموس ، تعني فتح آفاق استثمارية جديدة لاستغلال الموارد المتاحة في الأردن من قبل شركات أجنبية ، هذه الآفاق يجب أن تعظم القيمة المضافة للاقتصاد الأردني وتوفر فرص عمل للأردنيين ، وتزود الخزينة العامة بالمزيد من الأموال ، وتزيد من حجم الصادرات ذات المنشأ الأردني ، وبمعنى أدق عدم جعل الاقتصاد الأردني فريسة للشركات الأجنبية بما تحمله الكلمة من معاني.
هناك فرصة أخرى تبرز في الأفق ضمن مشروع الإصلاح هي شطب فكرة التخاصية من القاموس الاقتصادي الأردني ، وعليه لا بد من استرداد الشركات الأردنية المسروقة والتي تم خصخصتها وبيعها بأبخس الأثمان ، واستعادة الأراضي الحكومية المباعة لرجال الأعمال بأسعار لا تعادل قيمها الحقيقية ، أو إعادة تقييم أسعارها بالأسعار السوقية العادلة ، وبعد القيام بذلك يمكن القول أن الحكومة الجديدة جادة في الإصلاح ويمكن التعويل عليها في هذا المكان.
الدكتور إياد عبد الفتاح النسور
Nsour_2005@yahoo.com