ما زلت اذكر جدتي كيف كانت تاخذ ابن عمي من امه وتقول \" أي هاتيه شو بفهمك \" ، وتقوم بحمله بطريقة بهلوانية ، وتلفه بقطعة قماش بيضاء وتبدأ بعملية شد \" الوكي \" ايذانا \" بتكفيله \" أو \" بتقميطه \" ، ليتحول بعد ذلك من طفل مليء بالبراءة الى أشبه بمومياء فرعونية .
\" القماط \" أو \" الكوفليه \" ، كان وسيلة لشد عظام الطفل وتقيد حركته ، منعا لحدوث خلع ولادة من جراء حركة لا ارداية منه او من اي شخص قد يحمله ، خاصة بأن عظمه ما زال طري كما كانت تقول جدتي .
جسد ملفوف بعناية وأقدام مشدودة وأيدي مربطة ، يكاد لا يظهر من الجسد سوى الرأس في احسن الاحوال ، ما لم تبالغ الجدة او الام بتعصيب رأسه أيضا بقطعة قماش اخرى تشد أيضا بعناية فلا يرى منه الا وجه لا يعبر عن شيء الا عن شعور بالتقييد والضجر .
بصراحة لولا رحمة ربنا ، ولولا البساطة والسذاجة ربما ، لمتنا أطفالا اما خنقا واما لتحشر الدم في عروقنا أنذاك بسبب \" القماط \" .
الجميل في الموضوع ، ان الطفل اذا بكى لأي سبب ،- وان كان السبب الرئيسي لبكاءه هو شعوره بالضيق والتقييد من هذا \" القماط \" ، فان الحل هو ان تقول جدتي \" هو بس طلع ايده \" ، وبمجرد ان يتم اخراج يد الطفل وتحريرها كان يكف عن البكاء ، \" سبحان الله \" مع ان باقي الجسد ما زال عالقا في في قيود \"القماط\" .
على الرغم من بدائية \" القماط \" وعلى الرغم من الحداثة والتطور ، على الرغم من ان الطب الحديث لا يحبذ ولا ينصح بآلية عمل \" القماط \" ، الا ان الحكومات العربية ما زالت تستعمل نفس الأسلوب ونفس الوسيلة لتقميط الحريات والاصوات ، وكلما ثار الشعب ، تكتفي بأن تقول \" هو بس طلع ايده \" .
المحامي خلدون محمد الرواشدة
Khaldon00f@yahoo.com