زاد الاردن الاخباري -
دفع ضيق الحال وغلاء المعيشة، عائلة الستيني أبو سالم إلى اقتناء "مدفأة حطب" لمواجهة برد الشتاء القارس، لعدم قدرته على توفير محروقات لتزويد مدفأة الكاز التي كان قد اشتراها مؤخرا ليستبدلها بمدفأة حطب والتي هي على حد تعبيره "أرخص وأوفر".
أبو سالم الذي يعيل 8 أفراد دفعه ضيق الحال إلى شراء بكبات "جفت" في الصيف وتخزينها في تسوية منزله كمعونة سنوية لمواجهة برد الشتاء، ويقول إنه قام بشراء مادة الجفت التي تستعمل في إيقاد مدفأة الحطب بعد انتهاء عصر الزيتون، كبديل عن المحروقات التي ارتفعت أسعارها خلال الأعوام الماضية.
"ليس بالرومانسية عدم اتباع إرشادات الجهات المعنية في تحذيراتها المستمرة من خطورة استخدام مدافئ الحطب، وإنما نستخدم تلك المدافئ كبديل إجباري لعدم قدرتنا على تأمين "تنكه كاز" جراء ارتفاع ثمنها"، كما يقول أبو سالم.
تعرضت الأسرة إلى حادثة اختناق أصيب من خلالها جميع أفراد الأسرة جراء الدخان المنبعث من تلك المدفئة، نقلوا على إثرها إلى المستشفى، حيث تلقوا العلاج اللازم وغادروا المستشفى، وفق أبو سالم الذي يشير إلى أنه قام بإيقاد المدفئة مرة أخرى غير مبال من تعرض الأسرة لحالات اختناق جديدة.
ويلجأ الكثير من المواطنين إلى استخدام مدافئ الحطب نظرا لقلة كلفتها مما يؤدي إلى وقوع حوادث الاختناق نتيجة لطبيعة الوقود المستخدم لها كالحطب والجفت اللذين ينتجان كميات كبيرة من الدخان وغازات أول وثاني أكسيد الكربون، حسب المديرية العامة للدفاع المدني والتي أكدت أن هذا النوع من المدافئ يحتاج إلى توفير الاحتياجات والتدابير الوقائية اللازمة المتمثلة في تهوية المنزل بشكل جيد وضرورة إطفائها أثناء النوم لضمان عدم وقوع حوادث الاختناق.
أبو سالم الذي يبلغ تقاعده 200 دينار يؤكد أن ارتفاع أسعار المحروقات إلى أرقام قياسية بات يرهق ميزانيته، مشيرا إلى أن تنكة الكاز التي يتجاوز سعرها الـ 9 دنانير لا تمكث في المدفأة يومين، في حين إن أسعار مادة الجفت قليلة وتكفي الأسرة طيلة الشتوية والتي يقدر سعرها بـ 60 دينارا.
ويشير إلى أن جميع أفراد الأسرة تتجمع يوميا حول المدفأة، لعدم توفر مدفأة أخرى، وخصوصا في الأيام الماضية التي شهدت انخفاضا كبيرا في درجات الحرارة.
أبو سالم واحد من كثير في محافظة إربد دفعهم ضيق الحالة إلى استخدام مدافئ الحطب وتأمين "مؤونة الشتوية" من الجفت ليقوموا بتصنيعه بشكل قوالب دائرية لاستخدامه للتدفئة في فصل الشتاء.
وتعاملت إدارة العمليات في الدفاع المدني خلال العام الماضي مع 600 حادث ناتج عن مدافئ الغاز والكاز والحطب نتج عنها 331 إصابة و11 حالة وفاة، في حين بلغ عدد حوادث حرائق المنازل التي كان سببها الغاز (300) حادث، وكان عشرات الأشخاص لقوا حتفهم وأصيب العشرات باختناق منذ بداية العام الحالي، كان آخرها الأسبوع الماضي والتي قضى فيها 6 أفراد من أسرة واحدة في منطقة المكيفتة (60 كيلو مترا شرق المفرق)، وذلك بعد نفاد الأكسجين جراء ترك مدفأة الغاز مشتعلة في الغرفة التي كانوا ينامون فيها جميعهم، فيما شهدت المملكة عشرات الإصابات بحوادث الاختناق.
وتشير الحاجة أم محمد من لواء المزار الشمالي إلى الآلية التي يتحول من خلالها الجفت إلى وسيلة اشتعال وتدفئة، موضحة أننا نقوم بشراء كمية من الجفت المنتج من عصر الزيتون ونضعها في الساحة المجاورة للمنزل.
وتزيد أنه وبعد أن يجف الجفت من أي عوالق ناتجة عن عصر الزيتون يتم تحريكه وتقليبه باستخدام بعض الماء ومن ثم تصنيعه على شكل كرات صغيرة الحجم يتم وضعها في المدفأة وإشعال النار فيها حتى تنتهي ومن ثم وضع كرات جديدة.
وتوضح أن تلك المدافئ تصنع خصوصا لاستخدام الجفت وهي عبارة عن صندوق معدني يحتوي على فتحتين دائريتين تتسع لوضع الكرات ويخرج أنبوب معدني من فوهة المدفئة إلى خارج المنزل ليكون وسيلة تهوية للغازات الناتجة.
وتشير أم محمد إلى حدوث ارتفاع ملموس على أسعار الجفت لهذا العام فبعدما كان طن الجفت يباع في أعوام سابقة بـ15 دينارا وصل سعره هذا العام إلى 50 دينارا وبالرغم من ذلك فإن استخدامه يبقى أرخص 3 مرات من استخدام الكاز.
وبحسب الحاجة إن حاجة العائلة المكونة من 9 أفراد من الجفت تتراوح من 1 إلى 2 طن، وبالتالي فإن التكلفة المادية لكل موسم شتوي تبلغ حوالي 100 دينار، إضافة إلى أن العائلة تعتمد على حرق الأشياء المستعملة والحطب من أجل تفادي نفاد كميات الجفت.
ويؤكد المواطنون أن اعتمادهم المتزايد على الجفت في الموسم الشتوية الماضية بما تحمله من برد وصقيع وأمطار جاء من باب تقليل النفقات الخاصة بالمحروقات والتي لم تعد ملائمة لكثير من العائلات كبيرة العدد ذات الدخل المحدود.
يقول بلال الشرمان إن ارتفاع أسعار المحروقات أصبح عقبة أساسية تواجه العائلات في ظل محدودية الدخل وهذا ما دفع كثيرا من سكان المدينة إلى اعتماد الجفت والحطب كوسيلة تدفئة، مشيرا إلى أنه تفاجأ بارتفاع سعر الجفت لهذا العام ومحدودية الكميات المتوفرة للبيع.
ويضيف أن مستخدمي مدافئ الحطب في إربد يتسابقون على جمع ما يمكن حرقه من مخلفات ورش الخشب وما يخلفه تقليم الأشجار لاستخدامه كبديل استراتيجي للتغلب على كلفة المحروقات التي شهدت أسعارها ارتفاعا وصفه بـ"الجنوني".
ويقول أستاذ علم اجتماع التنمية في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين إن علاقة الناس مع الحياة المطلبية وظروف الحياة أصبحت أكثر صعوبة وتحديا بسبب ارتفاع الأسعار من جهة وعدم وجود مظلات اجتماعية للفقراء الأردنيين بعد أن "خصخصت" المنشآت العامة فازدادت الأعباء ثقلا على الشرائح الدنيا في المجتمع الأردني والتي تستخدم عادة الوسائل البسيطة من التدفئة للتعامل مع الكاز.
ويضيف أن حملات التوعية التي تقوم بها الجهات المختصة هي حملات آنية مرحلية ومباشرة في فصل الشتاء، الأمر الذي أصبحت مكررة ومكروهة وليست ذات فائدة، والدليل على ذلك ارتفاع حالات الاختناق والحروق نتيجة استخدام الوسائل البدائية والقديمة.
بترا