ميدان جمال والإصرار على تحويله ميدانا للشهداء
حسان الرواد
حذرت في مقال سابق تحت عنوان (التعبئة ضد المتآمرين..؟) من مغبة التعبئة الخاطئة والمشوهة ضد المطالبين بالإصلاحات في الأردن و الإصرار على أن هؤلاء هم مرة أعداء للوطن ويعملون لأجندات خارجية ومرة على أنهم من أصول فلسطينية يريدون أن يكون الأردن وطنا بديلا ومرة بأعداء الملك وغيرها من التهم التي لا أساس لها من الصحة ولا تخدم الأردن ولا الأردنيين ولا وحدتهم الوطنية التي ستكون إذا ما استمرت هذه التعبئة المشوهة والخاطئة على المحك, وفي النهاية لا تخدم الأردن واستقراره وملكه, هذه التعبئة التي تريد أن تقسّم الشعب الأردني بكافة مكوناته إلى قسمين لا ثالث لهما: إما موالين منتمين, أو خونة خارجين عن القانون أعداء وحسب, والسؤال الذي يطرح نفسه بكل قوة من المستفيد مما يحدث وما يراد له أن يحدث؟ وهل المطالبة بالإصلاحات السياسية خيانة؟ هل المطالبة بمحاكمة الذين أوصلوا مديونية الأردن لما يقارب 17 مليار خيانة وعداء للوطن؟ هل المطالبة بمحاسبة ومحاكمة كل من ضرّ بالاقتصاد الوطني وساهم في بيع مؤسساته الإستراتيجية الناجحة كالفوسفات والاسمنت والبوتاس والاتصالات وغيرها بأثمان بخسة وبصفقات مشبوهة والتي كانت تدرُّ دخلا كبيرا في خزينة الدولة خيانة؟
هل من ساهم في إلغاء الطبقة الوسطى نتيجة السياسات والمشاريع الفاشلة خيانة؟ من هم الأعداء أخبرونا عنهم وانشروا قائمة بأسمائهم لكي ينقض عليهم الشعب الأردني ويقضمهم بأسنانه... كفى تضليلا وكفى خداعا ... إن المستفيد الأول من التعبئة وشق صفوف الأردنيين واللعب بورقة الفجور والكراهية ورقة الأردني والفلسطيني هم رموز الفساد والاستبداد.. هم وحدهم الذين يخشون يوم الحساب...هم الذين عاشوا وتنفعوا وتضخمت كروشهم على العفن الذي اصطنعوه بغض النظر عن أصولهم وفروعهم وعن توجهاتهم دينية كانت أم علمانية, رسمية أم معارضة صورية, فهؤلاء قبلتهم المال والمنافع ومهمتهم بقاء هذا العفن من أجل أن يكونوا هم وليورّثوا لمن بعدهم المال والسلطة والنفوذ.. وليذهب الشعب بكل مكوناته بعد ذلك إلى الجحيم...وليتأمل الأردنيون جيدا أين هي أكثر بؤر الفقر والحرمان في الأردن؟... فقر الحال والتنمية والخدمات والتعليم والصحة ...وغيرها فلماذا لا يتباكى عليها مدعو الغيرة على الأردنيين وحقوقهم من خلال الاهتمام بهذه المحافظات الأردنية المنسية...أم أن الغيرة فقط تكمن في إثارة حميتهم عندما تشعرون بخطر المساءلة والمحاسبة...؟
إن ما حدث اليوم في دوار الداخلية لا يخدم الأردن أبدا, وإن من ساهم بحدوثه قد ضرّ بالأردن ووحدته الوطنية, وكان بالإمكان أن يكون هناك أساليب ووسائل أكثر حكمة لحمايتهم وبتدخل أكثر عقلانية وحضارية كما حدث من بداية الحراك السياسي في الأردن, فهؤلاء أردنيون وليسوا أعداءً أو محتلين؟ خاصة وأن جلالة الملك في رسالته الأخيرة والتاريخية إلى رئيس الوزراء كانت واضحة وصريحة ومع الإصلاح والتسريع فيه, ولا ننسى ولا يجب أن ينسى كل من ساهم في التعبئة الخاطئة المشوهة التي قادت اليوم إلى الأحداث الدموية التي نأمل من الله أن لا تتطور نحو الأسوأ, أن جلالة الملك قال بصراحة في رسالته عن هؤلاء أنهم منا ولنا وجاء فيها للتذكير:" إن الإصلاح الشامل غاية لا وسيلة، وإننا نتفهم الحراك السياسي وأصوات الشباب، فهم صوت وطني منا ولنا، وبهم نؤسس إصلاحا حقيقيا ومجلسا نيابيا يمثل كل الأردنيين، مما يعزز نتائج الحوار الوطني والإصلاح السياسي ويرسخ قيم العدالة والشفافية والنزاهة". عندها يحق لنا أن نسأل من هم الأعداء..ومن هو المستفيد مما حدث هذا اليوم في الأردن.. ؟
rawwad2010@yahoo.com