زاد الاردن الاخباري -
البحر الميت حالة جيولوجية ومناخية فريدة، فهو يقع في أكثر بقاع الأرض انخفاضا، فهو على عمق 417 مترا تحت سطح البحر بحسب قياسات عام 2003، وهذه الدقة في أي معلومات عن البحر الميت ضرورية بسبب كونه يشهد تغيرات دراماتيكية منذ عقود تؤدي الى تغير هذا المستوى الذي كان على عمق 392 مترا في الستينيات من القرن الماضي، مما يعطينا فكرة عن كمية المياه التي فقدها البحر خلال العقود الماضية.
يحصل البحر الميت على مياهه من نهر الأردن الذي يصب فيه من جهة الشمال وتأتيه شرقاً كميات لا بأس بها من المياه مصدرها وادي زرقاء ماعين ومن نهر الموجب وغرباً من عين جدي.
يعتبر البحر الميت من مناطق السياحة العلاجية الأكثر نشاطا في المنطقة حيث يقال أن الأملاح الموجودة به تشفي كثيرا من الأمراض الجلدية كذلك يساعده جوه ذو الرطوبة المشبعة بالأملاح صيفا على شفاء بعض أمراض الجهاز التنفسي كالربو.
يعتبر البحر الميت أيضا من المراكز الاقتصادية التي تبنى عليها كثير من الصناعات مثل مصانع الملح ومصانع المستحضرات التجميلية والعلاجية، وتزدهر على شواطئه السياحة، حيث بنيت الفنادق الفخمة التي يرتادها الراغبون بالاستمتاع بمزايا مياه البحر وطينه ومناخه.
منذ عقود بدأت مياه البحر الميت بالانحسار، بفعل ارتفاع الحرارة الذي يؤدي الى تبخر المياه بكثافة، وشح الأمطار واستخدام مياه الأمطار التي تصب فيه لأغراض الزراعة في الأردن والأراضي الفلسطينية وإسرائيل، بحيث أصبح ما يتبخر من مياهه بفعل الحرارة يفوق ما يحصل عليه بمعدل مليار وثلاثمئة متر مكعب سنويا.
يقول الباحثون إن الحد الأعلى من فقدان المياه في البحار بحيث لا تؤثر على توازنها هو ميلمتر واحد لكل عشرة أعوام، أما في البحر الميت فالنسبة عشرة آلاف ضعف، كما يقول البروفيسور نجيب أبو كركي، أستاذ الجيوفيزياء وعلم الزلازل في قسم الجيولوجيا البيئية والتطبيقية في الجامعة الأردنية في عمان، الذي كان من أوائل من دقوا ناقوس الخطر في الأردن لمواجهة المخاطر الجيولوجية التي تنجم عن ظاهرة انحسار مياه البحر الميت، والذي زودنا بمعلومات وصور كانت جزءا من أبحاثه الكثيرة حول الظاهرة.
المناطق التي انحسرت عنها مياه البحر تحولت الى مناطق يابسة هشة بها تراكيب ملحية كثيرة في طبقات الأرض السفلية، تذوب بفعل المياه العذبة التي تأتي الى البحر الميت من عدة مصادر مما يخلق فجوات في طبقات الأرض ، تؤدي لاحقا الى انهيارات.
من أكثر المناطق التي تأثرت بهذه الظاهرة هي منطقة غور حديثة على الضفة الأردنية للبحر الميت، وقد تشكلت فجوات في سطح الأرض تطلب بعضها ألف شاحنة من التراب لطمره، كا يقول بروفيسور أبو كركي، بلغ نصف قطر بعضها 15 مترا وعمقها 25 مترا.
ومن المنشآت التي انهارت استراحة الضمان الإجتماعي عام 1999 وسد البوتاس رقم 19 عام 2000.
ما العمل؟
يقترح أبو كركي دراسة المحيط الذي يخطط لإقامة مشاريع فيه بشكل جيد حيث ليست كل المناطق معرضة للانهيارات، وليست كلها معرضة بنفس المستوى.
وكذلك يقترح عمليا مع د. داميان كلوسون من معهد (Centre Special de Liege) للابحاث الفضائية في بلجيكا، شريك بروفيسور أبو كركي في معظ أبحاثه حول الظاهرة، يقترح الباحثان إقامة نظام إنذار مبكر يستند عمله الى تقنية التداخل الراداري التي تستطيع التنبيه للتشوهات الجيولوجية قبل استفحالها وانتقالها لمرحلة الانهيارات الخسفية بوفت كاف قد يبلغ سنوات .
قناة البحرين
إذن الحل الذي يقترحه بروفيسور أبو كركي قائم على الوقاية والإنذار المبكر، حيث يقول انه لا توجد حلول سحرية، ولا حتى "قناة البحرين" التي بموجبها من المفروض أن يجري ربط البحر الأحمر بالبحر الميت من خلال قناة وانبوب، كفيلة بتقديم حل آني انما هي تحل جانبا من المشاكل بعد انجازها بفترة نضوج كافية قد تتطلب عقدين من الزمن علينا ان نفعل بها ما يضمن التخفيف من نتائج انحسار المياه و ما يرتبط بذلك من عواقب.
بروفيسور أبو كركي ليس الوحيد الذي لا يرى في ذلك سوى حل متوسط المدى، لن يبدأ بإعطاء نتائج إلا بعد مرور 20-25 سنة، وإنما يعلن البعض تحفظه على المشروع بشكل مستقل ومن منطلق آخر، كالبروفيسور الإسرائلي ايتان جبرينيل رئيس معهد البحوث الجيولوجية الإسرائلي.
يقول جبرينيل إن اختلاط مياه البحر الأحمر بالبحر الميت سيؤثر على تطور الحياة البيولوجية في محيط الأخير كما سيؤثر على لون المياه، وبعض المسؤولين المصريين الذين يتوجسون خيفة من تأثيرات للقناة على التوازن الزلزالي للمنطقة، وفي رده على هذه التحفظات يقول البروفيسور أبو كركي إن من الممكن التأمل بقناة السويس التي لم تتسبب بأية إخلالات للتوازن من ذلك القبيل، رغم كونها أقدم من قناة البحرين ورغم وقوعها ضمن منطقة زلزالية في نطاق التأثير على منطقة القاهرة.
هذه الهموم الكثيرة التي تحيط بالبحر الميت ربما غابت عن بال الكثير من السياح الذين يستمتعون بمناخه الدافئ خاصة في الفصول التي تكون باردة في ذلك الجزء من العالم، أما اصحاب المشاريع السياحية والصناعية فلا يستطيعون تجاهل الأمر، لأن مستقبل مشاريعهم مرتبط به.
المصدر:bbc