بات مستحيلا اقتراب الأردن من سورية، خلال الفترة المقبلة، على الصعيد السياسي والاقتصادي، خصوصا، مع العقوبات الأميركية الجديدة التي بدأ تنفيذها يوم أمس.
قوى كثيرة في الأردن، كانت ترى في الانفتاح على السوريين، أحد الخيارات الإستراتيجية، خصوصا، مع الإغلاقات التي نراها في كل مكان، إلا أن انفتاح الأردن على دمشق الرسمية، كان حذرا جدا، وبطيئا، ويتجنب تحسين العلاقات السياسية، وكان التركيز ينصبّ فقط على بعض الخطوات الاقتصادية المحدودة، بعد فتح الحدود بين البلدين، هذا فوق اعتراضات الأميركيين السرية والعلنية، على أي محاولة أردنية لتحسين العلاقات مع دمشق.
الأردن محاط بالأزمات وأهم حليفين جغرافيين مجاورين للأردن أي العراق وسورية، لديهما أزماتهما الكبرى، سواء تلك الداخلية، أو على خلفية الاصطفاف في المعسكر الإيراني، وبلا شك أن الشراكة الاقتصادية، مع العراق وسورية، كانت مهمة لقطاعات واسعة في الأردن، إلا أننا اليوم، أمام استعصاء سياسي، على كافة المستويات، بما يجعلنا نقر بالحقيقة التي تقول إن خيارات الأردن باتت محدودة جدا، على صعيد الجوار الجغرافي، وتحديدا سورية، والعراق، وما يجري في فلسطين المحتلة عموما، وفي مناطق الضفة الغربية خصوصا.
قانون قيصر الذي بدأ تطبيقه على سورية سيؤدي إلى تداعيات اقتصادية سيئة جدا على الشعب السوري، والنظام، في ظل انهيار سعر صرف الليرة السورية، وامتداد الأزمة حتى إلى لبنان، بما يثبت الترابطات بين البلدين، والمؤكد هنا، أن الساحة اللبنانية مقصودة أيضا، بسبب نفوذ حزب الله، هذا فوق العقوبات التي تتعرض لها إيران، فنحن أمام مشهد معقد جدا، زاد وباء كورونا من حدته، بسبب التراجعات الاقتصادية والإغلاقات على مستوى الدول.
لم يقترب الأردن من دمشق الرسمية، منذ الربيع العربي، ولم تكن هناك محاولات جدية لتحسين العلاقات، لاعتبارات كثيرة، وسط اتهامات متبادلة بين الدولتين، فوق الكلفة الاجتماعية والأمنية والاقتصادية بعد تدفق أكثر من مليون شقيق سوري إلى الأردن، وبرغم ثبات النظام السوري، وقدرته على الاستمرار، في ظل موارد مالية متدفقة بوسائل مختلفة، إلا أن تطبيق قانون قيصر، سيؤدي إلى تداعيات صعبة، خصوصا، في ظل أزمات داخلية على صلة بحمايات النظام المالية الداخلية والإقليمية، والصراعات العائلية.
هذا يعني أن أفق العلاقة الأردنية السورية، بات مسدودا الآن إلى حد كبير، ولن تنفرج العلاقات، إلا إذا حدثت اختراقات دولية، قد تتجلى بمصالحة أميركية إيرانية، قبيل الانتخابات الأميركية، إذا نجح الرئيس الأميركي في انتزاع صفقة من الإيرانيين، تدعمه ضمنيا أمام ناخبيه في الولايات المتحدة، واحتمالات هذه الصفقة تبقى محدودة للغاية، خصوصا، أن تنازل الإيرانيين، يعني جر كل المعسكر الإيراني وتوابعه السورية واللبنانية والعراقية واليمنية، إلى زاوية محددة، تجنّب الإيرانيون مطولا القبولَ بها.
يبدو السؤال المنطقي، عما سيفعله السوريون أمام هذه العقوبات، التي ستشمل قطاعات كثيرة تعمل مع السوريين، وبالتالي ستشمل قطاعات أردنية، كانت تراهن على إعادة الإعمار، أو المشاركة بأشكال مختلفة في النهضة السورية بعد الحرب، فوق أنها قد تشمل قطاعات وأسماء أردنية مستفيدة حاليا من السوريين، وبعضها على صلة بملفات النفط، وسوف تنطبق عليها العقوبات الأميركية؟.
المحتمل هنا، أن تنزلق كل المنطقة إلى سيناريوهات أسوأ خصوصا، إذا عاند الإيرانيون ومن معهم كل الإشارات التي تطلقها جهات عدة لدفع طهران للتنازل، هذا فوق أن القرار السوري، هنا، ليس منفصلا عن سياقات إقليمية ودولية، فيكون متوقعا بالتالي حدوث تطورات جديدة في المنطقة، مع ثقل العقوبات التي تستهدف سورية، وإيران، وتمتد إلى لبنان من حيث الأثر، وهي حالة لن يحتملها هذا المعسكر مطولا، وسوف يسعى إلى كسر أطواقها بطرق مختلفة.
يبدو ترفا الحديث عن تحسن في العلاقات السورية الأردنية خلال الفترة المقبلة، إذ إن العقوبات الجديدة، قد تؤدي إلى تراجع العلاقات الاقتصادية، كليا، بما يترك أثرا كبيرا هنا في الأردن، الذي تبحث قطاعاته عن وسائل نجاة بكل الطرق، إضافة إلى أن الداخل السوري سيشهد وضعا اقتصاديا في غاية السوء، مما سيزيد من الضغوطات على دمشق، وقد يؤدي فعليا إلى موجات لجوء جديدة، بسبب الانهيارات الاقتصادية، وكل هذا يجعل المنطقة، والأردن إحدى دولها، أمام تغيرات كبيرة، خلال الشهور القليلة المقبلة.