الدكتور عديل الشرمان - شقراء ممشوقة القوام تكتب على صفحتها عبارة توصف بالعادية جدا سمعها أحدنا الاف المرات (العقل السليم في الجسم السليم) يراها البعض عبارة تنطف من فمها عسلا وقد أصبح معها الفؤاد فارغا، وكأنها نزلت من السماء كالصاعقة بصيغة خبر عاجل، ولا يكاد يمر وقت قصير وإذا بها تجمع آلاف أو الوف اللايكات والإعجاب، ومئات التعليقات المداهنة وقد سال معها لعاب الكثيرين، فماذا لو كتبت (تعالوا نحارب الفساد والفاسدين)!!!، في حين ترى أحد العلماء أو المختصين وقد كتب كلاما موزونا يحمل المعاني والعبر العميقة، وفيه فائدة عظيمة، ويسطر بماء الذهب، ولا يجد إلا تفاعلا باهتا ضعيفا مقلا من فئة ما زال الحياء يجري في عروقها، وبعض هذا التفاعل يعد ساخرا مشككا منتقصا من قيمة المضمون، ولا يمضي وقت قصير وإذا به يحزم أمتعته على عجل ويغلق حساباته، معترفا ومقرّا بالانهزامية، تاركا ساحة هذه المواقع لمن يجدون الوقت، ولمن يجيدون فنون اللعب فيها وإلى غير رجعة.
أما ذلك الذي ينعق كالبوم على مواقع التواصل الاجتماعي وقد وجد فيها ملاذا لفشله ووسيلة لتبرير عجزه واشغال فراغه، ولم يكن في السابق شيئا مذكورا، فقد ذاع صيته بين الناس، وصار له صحب وجلاس يصفقون له ويمدحون قوله ولغته الساحلة، يضحكون معه أحيانا، ويضحكون عليه أحيانا أخرى، ويذهب به الظن بعيدا معتقدا أنه أصبح اعلاميا فذا ومشهورا، ومصيبته أنه لا يدري أن الإعلام علم من أصعب العلوم وأكثرها تعقيدا، ولا يناله إلا ذو حظ عظيم، وهذا ما دفع بالكثير من الإعلاميين والعلماء من أصحاب الفكر والخبرة إلى التنحي والتخلي عن أدوارهم ولو مؤقتا خوفا من الشعور بالعزلة وسط هذا التخبط الرقمي البديل.
يعزف كثير من المثقفين والمتعلمين، ومن هم في المواقع القيادية، عن التعاطي بفاعلية مع مواقع التواصل الاجتماعي، ويعتبرون التفاعل من خلالها نوع من العبثية ومضيعة الوقت، وبعضهم في الحقيقة يخشون من النقد في غير موضعه، ويحسبون ألف حساب لما قد يتعرضون له من إساءات وإهانات على السنة فئة من روّاد هذه المواقع الذين باتوا لا يقيمون وزنا للعلم والعلماء، ولا يميزون الخبيث من الطيب، ولا يحترمون الرأي الآخر، ويستخدمون لغة منحدرة في وصفهم وحكمهم على الأمور من حولهم، لذلك غالبا ما ينأى العلماء والمثقفون بأنفسهم عن السجال والدخول في مهاترات وثرثرات تافهة، ونقاش يرون أنه عقيما مع فئة كبيرة من روّاد هذه المواقع، وبعضهم جرّب وحاول أن يكون عنصرا فاعلا ليجد نفسه مضطرا على غير حاجة للمجاملة والمدح والإطراء مخالفا لما يعتقده ويصدّقه، فوجد من الأنسب أن ينسحب ويخرج سريعا بماء وجهه من لعبة تقوم قواعدها على أسس غير سليمة يمارسها هواة لا يعرفون فنونها، قبل أن يضطر للخروج منها خاسرا مهانا، وقد تعرض لأقسى أنواع التنمر.
المخيف في الإعلام الرقمي أن قادة الرأي من العلماء والمختصين والمشاهير بدأوا يختفون تدريجيا، وتضعف قوتهم وتأثيرهم، في حين وجدنا أنفسنا في علاقة مع المؤثرين والمشكلين الجدد للرأي العام، وقد خلت الساحة لهم، وبعضهم من المنحدرين أخلاقيا وثقافيا، وممن ملأ الحقد قلوبهم مستخدمين هذا الإعلام كمنصات لتضليل الرأي العام وتزييف الوعي، وإهانة مشاعر بعض الناس، والتحريض على الفوضى وإثارة الاضطراب، مما جعل الحليم حيرانا، واختلط عليه الابيض والأسود، لنصبح في المجمل أمام حالة غير صحية، ومربكة تتطلب الإسراع في اتخاذ الاجراءات الفاعلة، واستخدام تكتيكات إعلامية ذكية وغير تقليدية للتصدي لها، تأخذ بعين الاعتبار احتواء وتوجيه وتعزيز قدرات الناشطين والفاعلين ضمن نهج تربوي إعلامي يستند الى خطط معدة ومدروسة.
عموما فإن تجربة الدخول في هذا العالم الرقمي الافتراضي تعد أحد أهم التجارب في الحياة، فالمتتبع لتدوينات وتغريدات وتعليقات البعض على مواقع التواصل الاجتماعي يستطيع ببساطة من خلالها أن يكتشف على نحو مباشر، وعلى نحو غير مباشر أنواعا من الأمراض الاجتماعية، وأنواعا أخرى مختلفة من الأمراض التي في الصدور، ومن خلالها تكشف المستور، ومطمح الأنفس ومكمن النوايا، وتعرف العدو من الصديق، والغث من السمين، والمذبذبين من المهذبين، والرجال من الأنذال، ومن يضمر لك الخير أو يريد لك الشر.