مروان سمور – باحث سياسي اردني - غولدمان ساكس : هي مؤسسة خدمات مالية واستثمارية أمريكية متعددة الجنسيات، تعدّ من أشهر المؤسسات المصرفية في الولايات المتحدة والعالم، يقع مقرها في مبنى غولدمان ساكس الرئيسي، في شارع 200 غرب مانهاتن السفلى في مدينة نيويورك.
وتعمل في أكثر من 30 دولة ولديها 6 فروع إقليمية وأكثر من 100 مكتب و 35,000 موظف، ولديها أكثر من 850 مليار دولار أمريكي من إجمالي الأصول .
وكثيرا ما يتولى مديرون سابقون في مصرف «غولدمان» مناصب محورية في عالم الاقتصاد والسياسة الأمريكية.
فقد كان رئيس البنك المركزي الأمريكي "ويليام دودلي" كبير اقتصاديي مصرف «غولدمان» قبل أن يتولى منصبه الحكومي .
فقد كان روبرت روبِن، الذي كان أحد أبرز صناع القرار في «غولدمان»، مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق بل كلينتون ثم لدى الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
وحامت حول البنك شبهات بالفعل عام 2008 خلال الأزمة المالية العالمية، بأنه استفاد من علاقاته الوثيقة بالبنك المركزي الأمريكي، وذلك عندما أعتمد وزير المالية آنذاك؛ هنري «هانك» بولسون، والذي كان من قبل رئيسا لمصرف «غولدمان»، حزمة إنقاذ بقيمة 700 مليار دولار من أجل إنقاذ بورصة وول ستريت وبنوكه،.
وتم من خلال هذه الحزمة دعم العديد من البنوك وشركات التأمين آنذاك ومن ضمنهم مصرف «غولدمان».
وأدى هذا النفوذ الواسع للبنك في عالم الاقتصاد والسياسة إلى وصف البنك من قبل بعض المراقبين بأنه «حكومة ساكس».
ومن الملاحظ أن هناك حضورا واضحا في كل مكان للمصرف في عالم المال في العالم، فقد تم اختيار ماركوس شينك، الذي كان يعمل سابقا في مصرف «غولدمان»، ليكون المدير المالي لمصرف «دويتشه بنك» الألماني العملاق في عام 2015 .
كما أن "باول أخلايتنر" المدير التنفيذي السابق لفرع «غولدمان ساكس» في ألمانيا، تولى منصب رئيس مجلس إدارة مصرف «دويتشه بنك» الألماني.
وأيضا الإيطالي "ماريو دراغي" رئيس البنك المركزي الأوروبي، ثاني أهم بنك في العالم بعد المركزي الأمريكي، كان مسؤولا سابقا في مصرف «غولدمان ساكس» .
تبدأ قصة علاقة «غولدمان ساكس» بالسياسة الأمريكية منذ مطلع القرن العشرين، حين كان «سيدني واينبرغ» موظفًا متواضعًا في الشركة، لكنه ترقى بسرعة بسبب قدراته على التواصل وربط العلاقات.
أصبح «واينبرغ» صديقًا شخصيًّا لحاكم نيويورك في ذلك الوقت «فرانكلين روزفلت»، بعد فترة قصيرة صار «روزفلت» رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، واستعان بـ«واينبرغ» لإنشاء «مجلس استشارات الأعمال»؛ وهو قناة يستطيع رجال الأعمال التواصل من خلالها مع صُنَّاع القرار والتأثير عليهم وتوجيه سياساتهم.
بحكم عمله في «غولدمان ساكس».
أسهم «واينبرغ» بعد ذلك في تكثيف جهود القطاع الصناعي الخاص في الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية، كما جمع التبرعات لحملة «أيزنهاور» ، واختار بنفسه وزير المالية لحكومته، وهو ما يدلنا على حجم تأثير هذا الرجل منفردًا على السياسة الأمريكية.
لا يزال «مجلس استشارات الأعمال» قائمًا إلى اليوم على مسافة قصيرة من البيت الأبيض. ومع أن اسمه تغير بشكل طفيف ليصبح «مجلس الأعمال»، إلا أن حضوره السياسي لم يتغير تقريبًا، فقد دعا أوباما المجلس لاجتماع في البيت الأبيض خلال العام الأول من رئاسته، كما التقي المجلس مجددًا مع ترامب وصُنَّاع السياسة الحاليين في أول أعوامه داخل البيت الأبيض.
ويمكن تصوُّر الحجم الحالي للعلاقات فقط بمعرفة التشابكات الواسعة بين هذه المؤسسات.
فعلى سبيل المثال؛ من بين أعضاء «مجلس الأعمال» حاليًا نجد «لويد بلانكفاين» المدير التنفيذي لـ«غولدمان ساكس»، و«ركس تيرلسون» ، المدير التنفيذي لعملاق البترول «إكسون موبيل» الذي أصبح مؤخرًا وزيرًا للخارجية في حكومة ترامب ثم استقال ، بالإضافة إلى «جيفري بيزوس» ، مؤسس موقع «أمازون» .
في أواخر 2015عام غرَّد السيناتور"بيرني ساندرز" عبر «تويتر» قائلًا: " في العام المقبل ، سيأتي أربعة من أصل 12 من رؤساء البنوك الفيدرالية من مؤسسة واحدة : (غولدمان ساكس)».
والبنوك الفيدرالية هي البنك المركزي لأمريكا، وهو مقسَّم إلى 12 بنكًا بحسب الإقليم .
ويُعلِّق رئيس «غولدمان ساكس» السابق على ذلك بقوله إن موظفي الشركة موجودون في كل سوق كبير: «انظر إلى حجم رأس المال وحجم ميزانيتنا وعدد موظفينا، شيء هائل»، وجاء تعليقه هذا مباشرة بعد تركه منصبه من أجل تولي رئاسة «المجلس الاقتصادي الوطني» بتكليف من دونالد ترامب.
تحاول «غولدمان ساكس» المشاركة في أنشطة خيرية أوسع لمحو الصورة السلبية، التي اقترنت بها في الوعي السياسي الأمريكي، ويأتي هذا الإتجاه خصوصًا بعد إتهامها بالتزوير عام 2010، إثر لجوئها للمضاربة في سوق العقارات للتربُّح من الأزمة الاقتصادية عام 2008.
لكن يبدو أنها تحولت بالفعل إلى رمز للجشع والشر في الولايات المتحدة؛ نتيجةً لكل هذه العوامل، مضافةً إلى النبرة المتصاعدة ضد المال السياسي.
و يبدو أن سوء السمعة قليل التأثير، أمام تشابك هذه الإمبراطورية المالية مع النظام السياسي، وفي المطاف الأخير، عندما يضطرب الاقتصاد، تسارع الحكومة إلى إنقاذ تلك المؤسسات على حساب المواطن العادي .
هذه السمعة هي التي جعلت المؤسسة في النهاية مصدرًا دائمًا لرجال السياسة ووزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية في أمريكا، لكن كما جرت العادة، يتغير الرؤساء تظل «غولدمان ساكس» كما هي!!