قال الله تعالى: ((أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)) الآية 125 سورة النحل. بعد أشهر طويلة كانت فيها الأجواء في بلادنا مضرباً للمثل، نجد أنفسنا اليوم أمام واجب الوقوف إلى جانب الوطن في محنته ولو بكلمة. في مكان عملي في المملكة العربية السعودية، يتنوع الزملاء بين جنسيات مختلفة ومتنوعة. يوم الأربعاء الماضي كنت متواجداً في عملي كالمعتاد، وقد دخلت في نقاش مع أحد زملائي عن الثورات العربية وهو من اليمن الشقيق، سألني قائلاً هل تتوقع رحيل الرئيس اليمني؟ فأجبته بأن الرئيس اليمني عليه الرحيل لحقن دماء اليمنيين، قال لي: وماذا عن الأردن؟ هل يعني هذا بأن الملك عبدالله الثاني ستصله الثورات، وسيرحل هو الآخر أيضاً!!! تفاجئت بالسؤال حقيقة، ولكنني عذرته كونه ليس من أهل الأردن، ولا يعلم طبيعة بلادنا، فقلت له: يا صديقي، في الأردن لم تكن هناك مشكلة بين الشعب والعائلة الهاشمية المالكة يوماً، ثم قل لي بربك هل يوجد زعيم في المنطقة العربية يوفر الحماية والحراسة الشخصية لمعارضيه غير الملك عبدالله الثاني!!! أو حتى نظام يقوم أفراد الأمن فيه بتوزيع المياه والعصير على المعتصمين والمتظاهرين غير النظام في الأردن؟ عندها بهت الرجل وحار في إيجاد الجواب، بعدها عشنا في صباح يوم الجمعة ساعات إستثنائية، عندما قام التلفزيون الأردني بنقل مباشر لمسيرة "نداء وطن" من حدائق الحسين، وأيضاً من إعتصام دوار الداخلية، كدليل على روعة الديمقراطية التي نعيشها في بلادنا، ولكن يأبى البعض إلا أن يعكر صفو هذه الصورة الجميلة، ونشاهد ما حصل عند دوار الداخلية عبر شاشة التلفاز مباشرة قبل المغرب، وهو الأمر الذي كان أكثر إيلاماً، وأساء لجميع الأردنيين داخل الوطن وخارجه. شعرت بعد مشاهدتي لعملية إلقاء الحجارة على المعتصمين، ومارافقه من مشاهد مؤلمة، ثم فقدان أحد أبناء الوطن "رحمه الله"، أن الإساءة أصابتنا جميعاً، كأبناء لهذا الوطن، أحببناه وسعينا ونسعى إلى تشريفه، ورفع إسمه في جميع المحافل المحلية والدولية. ذهبت يوم السبت إلى عملي، وأنا أدفع نفسي دفعاً من شدة الضيق، وعندما رآني زميلي اليمني ذاته، أتعلمون ماذا قال لي؟؟ لقد قال لي: أرأيت، الآن تعادلنا !!!!!!!!!!!! لا أخفي عليكم أن كلماته نزلت علي كالصاعقة، وأظهرت له عدم فهمي لها، فقلت له: ماذا تقصد؟ بماذا تعادلنا؟ قال لي: تعادلنا في الأوضاع في بلادنا، فالأوضاع لديكم بدأت بالتدهور، وهذا واضح تماما، عندها شرحت له بأن هذا التوصيف ليس صحيح، وأن ما حصل غمامة وستغيب سريعاً، ولكنني قلت في نفسي بعدها: وااااااخجلتــاه يا وطن ...، كيف نسئ إليك أحيانا ونحن لا نشعر، وهنا رسالة لكل من يتصرف ولا يحسب بأن هناك صورة جميلة للوطن، يمكن أن يسبب فيها شرخاً بسبب تصرفه، وأنه يجب علينا جميعاً أن نفوت الفرصة على كل من يريد إدخال الوطن في دهاليز الظلام والفتن. ربما لم يكن إختيار دوار الداخلية مناسباً للإعتصام، خصوصاُ وأنه من أكثر المناطق الحيوية في العاصمة، ولكن كان هناك طرقاً أكثر حكمة بكثير من طريقة علاج هذا الخطأ، وما أردت قوله اليوم كشاب من شباب هذا الوطن يحرص على أمنه وإستقراره، هو أننا في نعمة كبيرة في بلادنا، وسنشتاق إليها كثيراً إذا فقدناها، فمظاهر القمع الموجودة في بلاد مجاورة لنا لا توجد في بلادنا الآمنة المستقرة، وواجبنا الحفاظ على هذه النعمة، والعمل على تحسينها بالحوار والنقاش، لا الإعتصام والتظاهر من أجل تقليد الآخرين بسبب أو حتى بدون سبب. أضف لهذا هؤلاء الشباب الذين يحملون صورة جلالة الملك في يد، وحجر في اليد الآخر ينزفون به دم أبناء وبنات الوطن، والذين يسيئون بهذا الفعل لصورة سيد البلاد جلالة الملك، ولصورة الأردن بأكمله، فجلالة الملك قالها للجميع بأن كرامة المواطن من كرامته هو شخصياً، فهل يتعامل هؤلاء مع كرامة جلالة سيدنا بهذه الطريقة !!! ماحصل أساء لصورة بلادنا الجميلة، والتي جعلته منارة في زمن ساد فيه الظلم والظلام، فلنحافظ على هذه المنارة، ونعمل يداً بيد على منع ووأد أية فتنة يراد لها ان تطفئها أو تسئ لها، فكثيرون يحسدون بلادنا وأهلها على ماهم فيه، وعلى من يريد التأكد من ذلك أن يخرج لبلاد الغربة ليستمع إلى مايقوله أهل البلاد الأخرى عن الأردن وأهلها. لنتذكر اليوم بأن "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، فليس لأحد بيننا مصلحة في فساد البلاد والعباد، ونشر الفتنة، وعلينا جميعاً أن نعمل مافي وسعنا على درء المفسدة بكل الوسائل، ومن هنا نؤكد بأن اللوم الأكبر يقع على من يقومون بشحن الشباب، وملأ عقولهم بالأفكار العنصرية الهدامة، والتي تدمر الشباب وتقضي على مستقبلهم ومستقبل بلادهم. ولنرجع إلى تعاليم ربنا عزوجل الذي قال في سورة البقرة ((والفتنة أشد من القتل)) الآية 191، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يُصبح الرجلُ مؤمناً ويُمسي كافراً ويُمسي مؤمناً ويُصبحُ كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا)) رواه الترمذي. فلنحذر شحن الأنفس، وتخوين بعضنا البعض، ولننظر إلى جيران لنا كيف تعيش بلادهم حالة من عدم الإستقرار منذ سنوات طويلة، منذ أن بدأ كل طرف بتخوين الأطراف الأخرى، وهو الأمر الذي لا يمكن أن تستقر به البلاد أبداً. أتمنى أن لا نرفض التحاور حتى في أصعب الظروف، فكلنا أبناء وطن واحد نحرص عليه ونحبه، ولنعمل جميعاً بالقاعدة الحوارية الجميلة: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. لا أن نبدله ليكون: رأيي صواب لا يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ لا يحتمل الصواب ورغم أنفه !! قال الخالق عزوجل: ((وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجهلون قالوا سلاماً والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً)) الآية 63 سورة الفرقان. وقال عز من قائل: ((خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجهلين)) الآية 199 سورة الأعراف. وليكن حزبنا جميعاً هو حزب الأردن الحبيب، فيكفي كل واحد بيننا فخراً أن ينتمي لخاتمة الرسالات السماوية، ووطن النشامى الأحرار، وأمة الأصالة والشهامة والعراقة. ختاماً نقول بارك الله بك سيدي أبا الحسين، ورزقك البطانة الصالحة الصادقة، التي تحفظ لك هيبة عرشك الهاشمي ومكانته، ونرجوك أن تبقى بجانب أبناء شعبك وتستمع إليهم مباشرة، وأن تحرص على العدل بينهم كما عهدناك دائماً، وعهدنا العائلة الهاشمية من قبلك، وحفظ الله وطننا الأردني الحبيب مستقراً شامخاً عزيزاً.