لم يشتغل قائد في السنوات الأخيرة على تكريس فكرة حلّ الدولتين بوصفها طريق الخلاص وبوابة المستقبل، كما اشتغل جلالة الملك عبدلله الثاني.
حلّ الدولتين بوصفه طريق الخلاص من الحروب المتوالدة وصدام الحضارات وإرهاب الجماعات المتطرفة، وبوابة المستقبل للسلم والتنمية والتعاون والاستقرار للجميع، هو ما اشتغل جلالة الملك عليه مع قادة الدول والنخب والإعلام والرأي العام، وتمكن من تحقيق اختراق سياسي، بل واختراق مفاهيمي في الزمن الصعب الذي تحول فيه الشأن الفلسطيني الى تفصيل في الأجندة العامة للحرب على الارهاب.
هذا الاختراق بدأ من عهد الرئيس بوش نفسه، ومن محطّاته المفصلية الخطبة التاريخية أمام هيئتي الكونجرس الأميركي مجتمعتين، التي تركزت حصريا على اقناع الحضور بمركزية حلّ الدولتين واحلال السلام في فلسطين، ولم يكن الأثر بأقلّ من وقوف الأغلبية الساحقة لوقت طويل تصفق للخطاب.
ثم مع الرئيس اوباما، منذ كان مرشحا حيث تحققت كيمياء التناغم من اول لقاء، وتعززت في اللقاء التالي، وكان الملك أول رئيس في المنطقة يلتقيه، وبدت النتائج مبشرة باستخدام الإدارة للمفاهيم نفسها حول حلّ الدولتين ومركزيته في الاستراتيجية الأميركية الجديدة، حتّى أن أوباما بات يتحدث عنه كمصلحة وطنية اميركية، وقد سمعت في لقاء مع مساعدين في الخارجية الأميركية تركيزا على حلّ الدولتين لا نستطيع ان نزيد عليه شيئا.
وحين يقول جلالة الملك، ردّاً على سؤال أول من أمس في دافوس، إنه " وللمرة الأولى متشائم من الوضع الذي آلت اليه جهود تحقيق السلام وحلّ الصراع الذي كان مصدر معاناة هائلة طوال العقود السابقة"، حين يقول جلالة الملك ذلك فعلى العالم ان يسمع بل ويجفل.
الملك ليس مراقبا صحافيا في مقاعد المتفرجين يعبر يوما عن تشاؤمه وآخر عن تفاؤله. انه قائد في الميدان مهمته شحذ الهمم والارادات نحو اهداف محددة. وهو يبني على آخر المعطيات التي تشير الى ان التعنت الإسرائيلي يوشك أن يَهزم إن لم يكن قد هزم الإدارة الأميركية وهذه الادارة بالذات! فقد راعه بالتأكيد ان فرصة اخيرة للحلّ على وشك أن تتبدد فكان يطلق جرس إنذار يخرق طبلة الأذن.
الاستنتاج التالي الذي يصرح به جلالة الملك لأول مرّة هو ان حلّ الدولتين اذا فاتت فرصته، فالبديل هو حلّ الدولة الواحدة أي الدولة المشتركة للشعبين الفلسطيني والاسرائيلي على فلسطين التاريخية، انه الخيار الوحيد الذي سيبقى، واذا كان ثمّة من يحلم لثانية بحلّ آخر من النوع الذي يدور في الخيال المتطرف والمريض للبعض في اسرائيل، اي الحلّ عبر الاردن، فقد استخدم الملك أكثر العبارات حسما بهذا الشأن حتى لا يبقى أي وهم في أي رأس في اسرائيل حول مآل التنكر للدولة الفلسطينية المستقلّة على التراب الفلسطيني.