في الدول التي يتعرض فيها المواطن لجشع التجار وطمعهم، يجد عادة الحماية من الحكومة. وفي دول أخرى قد يجد المواطن تعاطفاً من التجار إن تغولت الحكومة على المواطن. أما أن تتفق الحكومة والتجار على البطش بالمواطن واستغلاله واستنزاف كل قرش في جيبه وجيوب جيرانه ومعارفه، فهذه مصيبة وكارثة لا كاشف لها إلا رب العالمين!
قد أتقبل كمواطن –رضوخاً للأمر الواقع- أن تستضعفني الحكومة وتستغلني بما تملك من سطوة ونفوذ، وأن تفرض ما شاءت من ضرائب واقتطاعات تحت مسميات كثيرة لا أول لها ولا آخر، وأن تُسخِّر إعلامها لإقناعي بأن أتقبل الموت الرحيم الذي ترسمه لي، ولكن لا أتقبل أن يستغلني التجار، ويتفننوا في سلخي وتقطيعي وشيي على نار طمعهم وجشعهم، ولا أفهم لم تترك الحكومة لهم الحبل على الغارب يفترسون لحم المواطن كيف شاءوا، ويأكلوه كيف ما اشتهوا.
كان المؤمل من الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها تجاه المواطنين، وعلى الأقل بتوفير المواد والخدمات الأساسية دون أية ضرائب أو زيادات، لا أن تكون حرباً على المواطن في قوته ولقمته وأساسيات حياته، وأن تتذرع بحجة ارتفاع الأسعار عالمياً لتطلق العنان لأصحاب النفوس المريضة أن يتاجروا بقوت المواطن، بل ويحتكروها لضمان استعباده واستغلاله والتحكم به في ظل رواتب متدنية لا تشبع جائعاً ولا تكسي عارياً.
المواطن مغلوب على أمره، غير مقتنع بما يحدث، ولا يصدق أية تبريرات تقدم، ولا يستطيع أن يهضم ما يتم تسويقه من حجج ومسوغات لارتفاع الأسعار الجنوني دون أي رادع أو كابح.
أسعار المحروقات مرتفعة جداً، ولا تتناسب وسعر النفط العالمي، خاصة والأردن يستورد النفط بأسعار تفضيلية، ولا يتحمل أجور نقل باهظة، ولا سمسرة، ولا يقع تحت رحمة الشركات عابرة القارات، والدليل على الارتفاع هو أرباح شركة مصفاة البترول الكبيرة جداً، وأسهمها المرتفعة، ورواتبها العالية، وعائدات النفط التي توزع على البلديات وغيرها سنوياً، ناهيك عن حصة الحكومة.
أجور المواصلات أيضاً مرتفعة جداً كيف ما حسبتها، فباص الكوستر الصغير لا يقل دخله الصافي شهرياً عن ألفي دينار، وقد يصل إلى ثلاثة، أما الباصات الكبيرة فلا يقل عن خمسة آلاف دينار، وهذا الدخل بالطبع بعد خصم أجور السائقين والمساعدين (الكنترولية) والصيانة والديزل والإكراميات والضرائب. وهذا يدل على أن الراكب يدفع على الأقل ثلاثة أضعاف الكلفة الحقيقية الفعلية. ولذا لا عجب أن حسبها البعض فوجد أن استخدام سيارته الخاصة أوفر من استخدام وسائط النقل العامة بعد حساب قيمة الوقت المستهلك في الانتظار والجهد في مطاردة المواصلات والتكلفة المادية، ناهيك عن البون الشاسع من حيث النظافة والصيانة وراحة البال والبعد عن المشاكل ومزاحمة الركاب وتحمل غلاسة البعض.
أسعار المواد التموينية هي الأخرى مستعرة، ولا تخضع لأي منطق معقول، ولا أدل على ذلك من أسعار السكر مؤخراً، فقد ارتفعت من 40 قرشاً إلى 75 قرشاً بين غمضة عين وانتباهتها، وفي حمى المضاربة وحرب الأسعار عرض بعض التجار السكر بسعر 54 قرشاً، وهو يقارب سعر المؤسسة المدنية، والسؤال: ما مبرر هذا التباين الجنوني في الأسعار؟ علماً أن المؤسسة التي تبيع السكر بسعر يقارب 53 قرشاً بهامش ربح جيد، وهذا يؤكد أن سعر التكلفة للسكر في هذه الظروف لا يزيد عن 35 قرشاً بأي حال من الأحوال، ومن كان له رأي آخر فليتفضل بإقناعي وإقناع السادة القراء.
الأمثلة تشمل كل ما يخطر على البال من سلع وخدمات، لا استثني منها شيئاً، وكل ذلك أرهق كاهل المواطن الذي لم يبق له كاهل أصلاً، وعندما أذكر المواطن فأنا أقصد على وجه الخصوص كل أردني يكتوي بنار الأسعار، ولا ينام الليل إلا بعد أن يحسبها يميناً وشمالاً، فلا يرسو على بر، ولا تنفع كل علوم الرياضيات التي تعلمها أن توازن له مصروفاته ونفقاته مع دخله المتدني، فينام ودمعة في العين، وجرح في القلب، وحسرة بحجم الأرض وكل مجرات الكون.
حسب فهمي المتواضع، فإنَّ الدول التي تؤمن بحرية التجارة، وتطبق النظام الرأسمالي يفترض أن تفتح الأبواب على مصراعيها للتجارة وللتجار للاستيراد وأن لا تقف حجر عثرة أمام أي تاجر. وفي هذه الحالة يتنافس التجار لتقديم السلع بأسعار تنافسية، وعندها يحصل المواطن على السعر المناسب والمعقول. أما أن يتمتع التجار بالحماية والدعم ولا يسمح بالاستيراد إلا بقدر وللبعض دون غيرهم، فهذا يخالف الأصول الاقتصادية المتبعة.
الأمل أن تفتح الحكومة للتجار أبواب التجارة على مصراعيها، أو أن تُرجع لنا وزارة التموين وتسعير السلع والخدمات، لتحمينا من شهوة البعض لأكلنا لحماً نيئاً، إن كان ثمة لحم على وضم!
mosa2x@yahoo.com