في يوم من أيام شتاءٍ منحبس مطره .. مطلق العنان لبرودة طقسه ، كنت جالسا في صف التاريخ أستمع إلى الأستاذ وهو يتحدث عن تاريخ اليونان قبل الميلاد ، كنت أستمع وبتركيز عال لكل حرف كان يقول ، وأحاول ربط الكلمات ببعضها ، فلم ألحظ سوى تكرار الضمير (هم) ..
هم قد فعلوا ، هم قد بنوا ، هم قد حاربوا ، هم قد ماتوا ، هم قد أخذوا حريتهم وهم قد عاشوا بعزة وكرامة واقتدار ، لم أكترث لما فعلوا من كل تلك البطولات فهو شيء يخصهم ويخص أحفادهم ، ما قد اشغلت به عقلي كان هو لماذا (هم) ؟، أين (نحن) ؟ .. فكرت كثيرا وعانيت أكثر ، في استرجاع تاريخنا ، لكن خمنوا ماذا حدث ؟، تماما نفس الشيء ، نعم لقد فعلنا ونعم لقد بنينا ولقد ولقد ولقد ، لكن ما نقوله في العامية : (نحن أولاد اليوم) أين نحن اليوم من المواقف البطولية لأجدادنا العرب الأكابر ؟ أين نحن اليوم من تلك الأخلاق الكريمة ، الجواب هو : لا نعلم . لكن لماذا لا نعلم ؟ ربما لكي نريح أنفسنا من تلك المسؤولية ونبقى تماما على حالنا . إن هذا لا ينفع أبدا ، لا مفر من واجبك تجاه وطنك تجاه اخوتك وتجاه أمتك ..
لم أبارح مكاني في تلك الحصة فقد ترك عقلي اليونان ، وانشغل في بني أمته العرب ، لقد كنت سارحاً في حلم صعب المنال ، لكنه ليس مستحيلا أبداً ، لقد رسم عقلي خطاً أسوداً حالكاً عريضاً حول أرض أمتي التي قال فيها الرسول : كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر . لقد كنا لكن هل ما زلنا ؟. لقد رسم عقلي تماما ما رأيته عندما كنت سارحاً : حدود الدولة العربية الواحدة الموحدة . واستمر عقلي الفنان التشكيلي أياه في رسم ما أحلم به ، رسم هذه المرة مستطيلا زاهياً بالألوان ألا إنه علم تلك الدولة ..
نتوجه إلى الولايات المتحدة ، فالناشط الأميركي الأفريقي الأصل (مارتن لوثر كينغ) كان لديه حلم بانتهاء العنصرية العرقية ضد السود ، وكان له ما أراد بعد كفاح طويل ومجهود يذكر فيشكر عليه . فكم أتمنى وجود شخص مثله في الأمة العربية ليحقق ما نصبو إليه ،إتحاد عربي يجمع ثلاثة وعشرين دولة في دولة واحدة موحدة ، في علم واحد ، هو شعب واحد ، في أمة واحدة ، من أصل واحد على أرض واحدة ..
نحن ندرس التاريخ وأولادنا وأحفادنا سوف يدرسون تماما نفس ذلك التاريخ ، إلا إذا كتبنا نحن هذا التاريخ بأفعالنا لا بأحلامنا ، وأتحدث هنا عن تحول الحلم إلى حقيقة ، نورثها للأولاد والأحفادمن بعدنا ، وأن يعرفوا أن أجدادهم صنعوا التاريخ ووحدوا الأمة وآمنوا بأنه ليس هناك أي شيء مستحيل في الحياة .
إنني أنتهز هذه الفرصة في أن أحاول بدء مشروع كبير يحلم بأن يكون حقيقيا في الحياة ، يقوم على أساس إيجاد دولة عربية واحدة من خلال الشباب قادة المستقبل والفئة الأكبر في المجتمع ، وأن نبدأ في أنفسنا يداً بيد وخطوة بخطوة ، وفكرة بأخرى ، وعزيمة بمثلها ، وحلم بآخر معا نحو دولة عربية واحدة ..
نعم .. معاً لنحول النشيد القائل : بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان / ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان . نحوله إلى شعار أكثر توحداً ويعتبر العرب كدولة واحدة فقط وهو : البلد العربي وطني من المحيط إلى الخليج .
Mohamad91_ad@yahoo.com