الأردن فوق المصالح والمطالب د. احمد عارف الكفارنة أصبحت الاضطرابات والاعتصام والمظاهرات الاحتجاجية موضة العصر في الوطن العربي بالذات بعد ان هبت علينا في الآونة الأخيرة وثائق ويكليكس والتي لا نعرف مدى صدقتيها. إن المظاهرات المتكررة ليست حقا مطلقا بل تخضع كغيرها من الحقوق والقوانين التي يجب أن تتم ممارستها بشكل سليم من اجل المحافظة على مرافق الدولة وأملاك المواطنين مع توفير ضمان حرية التعبير إذا كان الهدف من فوضى المظاهرات الأسبوعية المتعمدة الإصلاح كما يقول البعض وخصوصا الحركات الجديدة التي خرجت من تحت عباءة الأحزاب والجماعات السياسية المتآكلة أوالمتهالكة للوصول للسلطة والتي تدفع بحركة ( أسماء الأشهر) ,مدعومة من ثورة الرافضة وبعض الأصوات الخارجة من بيوتات الحكومة السابقة والتي عادت لتمارس أدورا جديدة في ركوب موجة المعارضة, حيث لا تريد إصلاحا بقدر ما هي تبحث عن الإضاءة والشهرة والالتقاء مع قنوات فضائية و التى هى عادة ما تكون جاهزة لتضخيم الحدث وتلوينه وتوزيع صكوك الوطنية على المواطنين, لذلك ترى ان المصلحة الشخصية لبعض هذه الحركات إن بحثت عنها سوف تجدها جاهزة في ساحات الاعتصام والمظاهرات,كما أن هنالك جهات تحاول إظهار ما يتوافق مع طبيعتها وهذه أيضا جاهزة في دفع الشباب مضافاً إليها قيمة الدعم المالي إلى أي مكان كما حدث مؤخرا في العاصمة عمان ليكونوا وقودا من اجل تأزيم الشارع واستغلاله . ان عدم الاستقرار السياسي يساوي المطالب السياسية مقسومة على المؤسسات السياسية ،أي ان عدم الاستقرار السياسي يزداد كلما ازدادت المطالب السياسية وضعفت قدرة المؤسسة السياسية على الاستجابة الفاعلة لها غير ان المؤسسة الرسمية الأردنية استجابت لجميع المطالب العقلانية بدءاً من تغير الحكومة السابقة وتشكيل حكومة جديدة متوازنة( لديها رسالة واضحة ومحددة وسقف زمني محدد) مع تعهد هام آلا وهو اجتثاث آفة الفساد , إلى تشكيل لجنة للحوار الوطني من كافة ألوان الطيف السياسي وبالتالي يمكن القول إن قوة مؤسسة النظام تجلت في التكيف مع متطلبات المرحلة. وتأسيسا على ذلك فان المسيرات والاعتصامات والمظاهرات التي تجوب الشوارع أسبوعيا في هذه الحالة تفقد شرعيتها . والسؤال من فوّض هذه الشريحة على سبيل المثال التي اعتصمت في دوار الداخلية الشرعية للمطالبة بالإصلاحات باسم الوطن والدستور؟ إذا كانت هذه الإصلاحات والمطالب هي مطلب رأس النظام السياسي كما هي مطلب الشعب واذا كان هنالك مطلب قد سهى الشعب عنه وهؤلا حريصون عليه فقد طلبت الحكومة وضعه على طاولة الحوار, اذن ما المقصود من الاعتصام ؟ أليس من الحكمة بمكان أن تعطي الحكومة الفرصة كي تمارس عملها طبقا للإمكانيات والخطط المطلوبة منها والتي تعهدت فيها أمام مجلس الأمة والشعب وجلالة الملك لتنفيذها .الا يمكن القول أن النجاح وبلوغ الأهداف لا يتحقق بين ليلة وضحاها وإنما بالعمل المتواصل والإخلاص فيه, من خلال التدرج نحو الأهداف الذي يجعل الخطوات مرسومة بدقة متوازنة من اجل النجاح. الأردن دولة محدودة الإمكانيات والموارد وجّل اعتمادها على المساعدات الأجنبية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وهذا ليس سراً أو عيبا بل هو الاعتراف بواقعنا وواقعنا يقول أننا لا نحتمل أى هزة اقتصادية وخصوصا أن مديونيتنا مرتفعة, ومن هنا يمكن القول أن الأردن تحكمه رؤية خاصة في الإصلاح ضمن خطوات محسوبة ومطلوبة ولا بد من الاعتراف انه ليس هنالك وجه للمقارنة بين الحكم الهاشمي وغيره من أنظمة الحكم العربية الأخرى , ذلك الحكم القريب من الشعب واّمالة وتطلعاته والذي لم تكن مضارب اّل هاشم في يوم من الأيام إلا (ملفى) وديوان عامر لكل ابناء عشائرنا الأردنية الواحدة وحتى كان هذا الديوان الحصن المنيع والحضن الدافئى لبعض قيادات حركة المعارضة الحالية (فى الخارج)حين مادت بهم الأرض بما رحبت ولم يجدوا ملاذا غير الأردن ..إن الكثير من دعاة الاعتصام والمظاهرات يرغبون فى رؤية صورة الدولة الأردنية مهتزة وغير أمنة ويصّرون على ان هنالك أزمة اقتصادية وسياسة عصيّة عن الحل , وان المجتمع الأردني يعيش حالة احتقان وغليان وتمرد ,أما الهدف والمحصلة النهائية فهو رغبة هذه الجماعات فى فرض إرادتها على الأردن من خلال التدرج في رفع سقف المطالب والتي هي ابعد ما يمكن أن تتحقق في المرحلة الحالية ,مع مسلسل استمرار حالة الاسترضاء من قبل الدولة حتى ظهرت الدولة بمظهر الضعيف ومن هنا جاء الاستقواء على الدولة والأردنيين . إن الاقتصاد وتطوير عجلة الإنتاج لا تنمو بمعزل عن الأمن وحين ينعدم الأمن تسود الفوضى وتتوقف حركة العمل وتتضرر مصالح المؤسسات والعباد , ناهيك عن هروب رؤوس الأموال الوطنية و الأجنبية والتأثير على الاستثمارات وأنشطة البنوك والتجارة الدولية وغيرها. إن المظاهرات والاعتصام يجب أن لا تكتسي طابعا شرعيا لما لة من تأثير خطير على سير العمل ومرافق الدولة ويجب ان لا تمارس هذه الألوان بشكل تعسفي وتستغل في إطار المساومات السياسية كما هو حاصل ألان فهذا نوع من الفوضى. إن المطالبة من خلال الاجتماعات التي عقدت في مجمع النقابات فى أعقاب أحداث دوار الداخلية بالإعلان عن الاستمرار في المظاهرات والعصيان المدني والمطالبة بإقالة رئيس الوزراء ومدير المخابرات العامة ومدير الأمن العام وحل قوات الدرك والبرلمان والأعيان ولجنة الحوار الوطني , ماهى الا حملة تعنى الإصرار على استنساخ الآخر وخروجا واضحا عن أبجديات الميثاق الوطني وأهمها مرتكزات الأمن الوطني وهذا بحد ذاته شق للصف الوطني وتعبئة ديماغوجية للشباب لإدخال الوطن في نفق مظلم لا نعرف كيف ومتى سنخرج منه ! ترى إذا كانت مطالب هذه المجموعات تعلن على الملاء ومن احد أهم مؤسسات المجتمع المدني الاردنى ترى ماذا بقي للدولة الأردنية من هيبة أو وقار أو رموز؟ إن الأردن حاله مختلفة لا يمكن قياسها على تجارب الدول المجاورة صحيح إننا نتأثر بالإحداث ولكن لا يمكن إن نكون حقلا للتجارب , ان هذا الوطن العزيز لا يمكن إن يفقد ملامحه الأردنية أولا أو ولاءه للهاشميين ثانياً أو وحدته الوطنية ثالثاً,نعم ان الأردن سيبقى اسماً وهامات عز مرفوعة وراية خفاقة فى سماء المجد فوق المصالح والمطالب . (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا أنما نحن مصلحون ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) صدق الله العظيم