زاد الاردن الاخباري -
لا بأس بالاعتراف أن الأمة العربية كانت كلها دون استثناء مطيّة الفساد وعهر الطامعين في السلطة، هذا مع التباين في كيفية الامتطاء و نوعيته، فالبعض شعر انه حصان طموح، والبعض الآخر شعر انه حمار صبور، ومن ضمن الاعترافات التي يتوجب علينا أن نصارح بعضنا البعض بأننا كنا أسرى أجهزة إعلام استطاعت نزع ثقتنا بها إلى الأبد، وأن ذالك الإعلام لم يستطع "سواء بطريقة متعمده أو غير ذلك" نزع حتى العادات السيئة البسيطة، مثل المآتم وغلاء المهور، وبالتأكيد لم يكن قادر في الحالة الأردنية على إيصال الأفكار الايجابية التي كان من شأنها جعل تنوع منابتنا وأصولنا حافز ودافع للعمل وللنظر إلى الأردن على انه أرضية ثقافية خصبة، بل على العكس تماما، عند أول هزّة يتبين لنا هشاشة الفكر الذي يتبناه المسئولون وسوداويته للحفاظ على مناصبهم وكم يسترخصون وجودنا وكأن الهدف من وجودنا هو حماية وجودهم، فإذا اقتضى الأمر فلا بأس من ركوب المطايا التي اصطفت بعضها فوق الجسر وبعضها تحته.
منذ اقل من عام وأنا أحاول جاهدا الوصول إلى طرف يروي لي أحداث شاهدها بأم عينه عن حقيقة ما حصل في ما يعرف لدينا "بأيلول الأسود" ولكن دون جدوى كل من يروي حكاية عن فظاعة ما فعل الفدائيون بالجيش أو العكس يقول "سمعت أو قالوا لي" وبعض الأحيان "حلف أبو فلان"، بصدق جميع الروايات التي سمعتها لم تتجاوز حد تعبيرنا القائل "سواليف حصيده"، حتى القصّة الشهيرة التي تروي أن الفدائيين لعبوا كرة قدم برأس جندي أردني، شاهد عيانها الوحيد هو السيد زيد الرفاعي، حيث كان رئيسا للديوان الملكي يومها (مصدر المعلومة ويكيبيديا)، وأنا "مش رح افتح ثمي".
أليس من المخزي أننا لا نعرف حقيقة ما حصل في أيلول الأسود، تلك الأكاذيب التي بثها الإعلام والتي كان ضحيتها الأولى المرحوم وصفي التل، ألا تشعرون مثلي بالغضب من هذا الإعلام الذي يصر على أن يتركنا تائهين ويوهمنا بأن هناك منا من هو "أصلي ومن هو تقليد".
تخيلوا أن عدد الذين "قتلوا" في تلك الأحداث يزيد عن الخمسة الاف ولكن وبقدرة قادر لا يوجد قائمة بأسماء القتلى سواء لدى الجانب الأردني أو الفلسطيني تؤكد أو تنفي صحة ذلك ويقول احمد جبريل أن عدد القتلى من الفدائيين أربعة الآف (مصدر المعلومة ويكيبيديا)، ويترك لنا حريّة اختيار سيناريو اختفاء الجثث..."والله حلو"، فلا يعرف مقبرة في الأردن ضمّت أولئك القتلى، والقتلى ليس لهم إخوة أو أبناء عمومه أو أي قرابة على الإطلاق ونحن ملزمين بالتصديق أن هناك ما يزيد على خمسة الاف قتيل... "مش كثير هيك...!!!".
كل القصص التي تروي أن ما فعله الفدائيون يغضب وجه الله منقولة شفوي ولا احد رأى بأم عينه...كلها روايات، كم هي مخجلة حقيقة أن ما حدث في أيلول لم يحدث وإن كان شيئا قد حدث فهو لم يتعدى مناوشات هنا وهناك أكاد اجزم أن عدد الشهداء من الطرفين لم يصل إلى عشرة.
لا اعرف "كذبة أيلول الأسود" تخدم من بالضبط، لكنها لم تخدم مكونات المجتمع الأردني بل العكس تماما، فكلما ثارت مشكلة هنا آو هناك تم الزج بالعنصرية في وسطها لخدمة هذا وذاك، لتصبح الفزاعة التي يرعبوننا بها.
البعض يرى أن ذلك التاريخ يجب دفنه كي لا تثار الفتن، وأنا أقول العكس تماما فحتى لا تثار الفتن يجب أن نتحدث وبكل صراحة عن تلك الأحداث التي لم تحدث "من أصله" ويجب أن يكشف الإعلام حقيقة الأكاذيب وهذه القضايا، حتى يعرف الجميع ما لهم وما عليهم، وحتى لا يتم استخدام مثل هذه الأكاذيب للنيل من مكونات المجتمع الأردني "كلما دق الكوز بالجرّة"، لا يوجد ادني خلاف بين من هم من أصول فلسطينية ومن هم من أصول أخرى بدليل المصاهرة والنسب والأعمال، فلا اختلاف عقائدي ولا غيره وبالنهاية فقد "التم المتعوس على خايب الرجا"...مع كل الحب للجميع.
بقي أن أخبركم أن زوجتي تصر على أن أيلول من عام 1970 هو شهر أسود، ربما وأشدد ربما، لأني من مواليد ذلك الشهر!!!.